تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

وقوله تعالى : { قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة } الآية ، قوله تعالى : { محرمة عليهم } من الحرمان والمنع هو ، والله أعلم ، ليس على التحريم كقوله تعالى : { وحرمنا عليهم المراضع من قبل } [ القصص : 12 ] ليس هو من التحريم الذي هو تحريم حكم ، ولكن من المنع والحرمان . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

وقال قائلون { فإنها محرمة عليهم } أبدا ، لم يدخلوها حتى ماتوا ، لكن ولد لهم أولاد ، فلما ماتوا دخل أولادهم لأنهم قالوا : { لن ندخلها أبدا } . وقال قائلون : قوله تعالى : { محرمة عليهم } أي التوبة محرمة عليهم ؛ لن يتوبوا أبدا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أربعين سنة يتيهون في الأرض } فالمدة هنا للتيه ، و الله أعلم ، لا لقوله تعالى : { محرمة عليهم } .

ثم اختلف في التيه : قال قائلون : لم يكن موسى وهارون عليهما السلام معهم في التيه لأن ذلك لهم من الله كان عقوبة ، ولا يحتمل أن يكون الله تعالى عز وجل يعذب رسوله بذنب قومه لأنه لم يعذب قوما بتكذيب الرسول قط إلا بعدما أخرج الرسول من بين أظهرهم . فعلى ذلك لا يحتمل أن يكون موسى يعذب بعصيان قومه ، والله أعلم .

وقال آخرون : كان موسى معهم في الأرض مقيما ، فيها ولكن الحيرة والتيه كانت لقومه ؛ كانوا يرتحلون ، ثم ينزلون من [ حيث ] أصبحوا أربعين سنة ، وكان مأواهم [ الحجر ] الذي كان مع موسى ، كان إذا نزل ضربه موسى بعصاه { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } [ البقرة : 60 ] لكل سبط عين ، ولم يكن حل [ بموسى ما كان حل ] بقومه قليل ولا كثير . إنما أمر بالمقام فيها من غير أن كان به حيرة .