المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

15- فلما مضوا به بعيداً عن أبيه ، وأجمعوا رأيهم في إلقائه في غور البئر ، أنفذوا ما عزموا عليه ، وألهمناه الاطمئنان والثقة بالله وأنه سيخبرهم بأمرهم هذا الذي دَبَّروه وقدموا عليه ، وهم لا يشعرون حين تخبرهم أنك أخوهم يوسف الذي ائتمروا به ، وظنوا أنهم قضوا عليه واستراحوا منه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

قوله تعالى : { فلما ذهبوا به وأجمعوا } ، أي : عزموا ، { أن يجعلوه } ، يلقوه ، { في غيابة الجب وأوحينا إليه } ، هذه الواو زائدة ، تقديره : أوحينا إليه ، كقوله تعالى : { فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه } [ الصافات-103 ] أي : ناديناه ، { لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون } ، يعني : أوحينا إلى يوسف عليه السلام لتصدقن رؤياك ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بوحي الله وإعلامه إياه ذلك ، قاله مجاهد . وقيل : معناه : وهم لا يشعرون يوم تخبرهم أنك يوسف ، وذلك حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون . وذكر وهب وغيره : أنهم أخذوا يوسف عليه السلام بغاية الإكرام ، وجعلوا يحملونه ، فلما برزوا إلى البرية ألقوه وجعلوا يضربونه فإذا ضربه واحد منهم استغاث بالآخر فضربه الآخر ، فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه ، وكان ابن اثنتي عشرة سنة - وقيل : ثمانية عشرة سنة- فجاؤا به إلى بئر على غير الطريق واسعة الأسفل ضيقة الرأس . قال مقاتل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام . وقال كعب : بين مدين ومصر . وقال وهب بأرض الأردن . وقال قتادة : هي بئر بيت المقدس فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخواتاه ردوا علي القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تواريك ، قال : إني لم أر شيئا ، فألقوه فيها . وقيل : جعلوه في دلو وأرسلوه فيها حتى إذا بلغ نصفها القوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها . إنهم لما ألقوه فيها جعل يبكي فنادوه فظن أن رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام ، وبقي فيها ثلاث ليال . { وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا } ، الأكثرون على أن الله تعالى أوحى إليه بهذا وبعث إليه جبريل عليه السلام يؤنسه ويبشره بالخروج ، ويخبره أنه ينبئهم بما فعلوه ويجازيهم عله وهم لا يشعرون . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليه السلام .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

وقد حكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فقال : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

أى : فلما أقنعوا أباهم بإرسال يوسف معهم ، وذهبوا به في الغد إلى حيث يريدون ، وأجمعوا أمرهم على أن يلقوا به في قعر الجب ، فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، ونفذوا ما يريدون تنفيذه بدون رحمة أو شفقة .

فالفاء في قوله فلما : للتفريع على كلام مقدر ، وجواب " لما " محذوف ، دل عليه السياق . وفعل " أجمع " يتعدى إلى المفعول بنفسه ، ومعناه العزم والتصميم على الشئ ، تقول : أجمعت المسير أى : عزمت عزما قويا عليه .

وقوله " أن يجعلوه " مفعول أجمعوا .

قال الآلوسى : " والروايات في كيفية إلقائه في الجب ، وما قاله لإِخوته عند إلقائه وما قالوه له كثيرة ، وقد تضمنت ما يلين له الصخر ، لكن ليس فها ماله سند يعول عليه " .

والضمير في قوله ، وأوحينا إليه يعود على يوسف - عليه السلام - .

أى : وأوحينا إليه عند إلقائه في الجب عن طريق الإِلهام القلبى ، أو عن طريق جبريل - عليه السلام - أو عن طريق الرؤيا الصالحة . { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا } أى : لتخبرنهم في الوقت الذي يشاؤه الله - تعالى - في مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك في صغرك من إلقائك في الجب ، ومن إنجاء الله - لك ، فالمراد بأمرهم هذا : إيذاؤهم له وإلقاؤهم إياه في قعر الجب ، ولم يصرح - سبحانه - به ، لشدة شناعته .

وجملة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حالية ، أى : والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون في ذلك الوقت الذي تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف . لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التي حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم في ذلك الوقت ، فأنت ستكون الأمين على خزائن الأرض ، وهم سيقدمون عليك فقراء يطلبون عونك ورفدك .

وقد تحقق كل ذلك - كما سيأتى - عند تفسير قوله تعالى - : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر . . . } وكان هذ الإِيحاء - على الراجح - قبل أن يبلغ سن الحلم ، وقبل أن يكون نبيا .

وكان المقصود منه ، إدخال الطمأنينة على قلبه ، وتبشيره بما سيصير إليه أمره من عز وغنى وسلطان .

قالوا : وكان هذا الجب الذي ألقى فيه يوسف على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب - عليه السلام - بفلسطين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

يقول تعالى : فلما ذهب{[15075]} به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك ، { وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ } هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب ، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يُظهرونه له إكراما له ، وبسطا وشرحًا لصدره ، وإدخالا للسرور عليه ، فيقال : إن يعقوب{[15076]} عليه السلام ، لما بعثه معهم ضمه إليه ، وقَبَّله ودعا له .

وقال{[15077]} السدي وغيره : إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له ، إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه ، ثم شرعوا يؤذونه بالقول ، من شتم ونحوه ، والفعل من ضَرْب ونحوه ، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ، فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشَتمه ، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه ، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة ، فسقط في الماء فغمره ، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه ، يقال لها : " الراغوفة " {[15078]} فقام فوقها .

قال الله تعال : { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } يقول تعالى ذاكرًا لطفه ورحمته وعائدته{[15079]} وإنزاله اليسر في حال العسر : إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق ، تطييبًا لقلبه ، وتثبيتًا له : إنك لا تحزن مما{[15080]} أنت فيه ، فإن لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا ، وسينصرك الله عليهم ، ويعليك ويرفع درجتك ، وستخبرهم{[15081]} بما فعلوا معك من هذا الصنيع .

وقوله : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } - قال [ مجاهد و ]{[15082]} قتادة : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } بإيحاء الله إليه .

وقال ابن عباس : ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك ، وهم لا يعرفونك ، ولا يستشعرون بك ، كما قال ابن جرير :

حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا صدقة بن عُبادة الأسدي ، عن أبيه ، سمعت ابن عباس يقول : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون ، قال : جيء بالصّواع ، فوضعه على يده ، ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبرني هذا الجام : أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له " يوسف " ، يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب - قال : ثم نقره فطنّ - فأتيتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كَذب - قال : فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم . قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : لا نرى{[15083]} هذه الآية نزلت إلا فيهم : { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } {[15084]} .


[15075]:- في ت ، أ : "ذهب".
[15076]:- في ت ، أ : "يوسف".
[15077]:- في ت : "فذكر".
[15078]:- في أ : "الراغوف".
[15079]:- في ت : "وعائد به".
[15080]:- في ت ، أ : "فيما".
[15081]:- في ت ، أ : "وسيجزيهم".
[15082]:- زيادة من ت.
[15083]:- في ت : "فلا يرى" ، وفي أ : "فلا نرى".
[15084]:- تفسير الطبري (15/576).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوَاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هََذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

وفي الكلام متروك حذف ذكره اكتفاء بما ظهر عما ترك ، وهو : فأرسله معهم ، { فلما ذهبوا به } ، { وأجمَعُوا } ، يقول : وأجمع رأيهم وعزموا على { أنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ } . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قوله : { إنّي لَيَحْزُنُني أنْ تَذْهَبُوا بِهِ . . . } ، الآية ، قال : قال : لن أرسله معكم ، { إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون . قالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذّئْبُ وَنحْنُ عُصْبَةٌ إنّا أذا لخَاسِرُونَ } ، فأرسله معهم ، فأخرجوه ، وبه عليهم كرامة . فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه ، فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا يقتلونه ، قال يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر ، فيتعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ردُوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك ، قال : إني لم أر شيئا . فدلوه في البئر . حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء ، فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها ، فقام عليها . قال : فلما ألقوه في البئر جعل يبكي ، فنادوه ، فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فلبّاهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا فمنعهم ، وقال : قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه . وكان يهوذا يأتيه بالطعام .

وقوله : { فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا } ، فأدخلت الواو في الجواب ، كما قال امرؤ القيس :

فَلَمّا أجَزْنا ساحَةَ الحَيّ وَانْتَحَى *** بِنَا بطْن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ

فأدخل الواو في جواب «لما » ، وإنما الكلام : فلما أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا ، وكذلك : { فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا } ؛ لأن قوله : { أجمعوا } : هو الجواب .

وقوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ } ، يقول : وأوحينا إلى يوسف لتخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا ، يقول : بفعلهم هذا الذي فعلوه بك . { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، يقول : وهم لا يعلمون ، ولا يدرون .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عزّ وجلّ بقوله : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، فقال بعضهم : عُني بذلك : أن الله أوحى إلى يوسف أن يوسف سينبىء إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه في الجبّ ، وبيعهم إياه ، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم ، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ } : إلى يوسف .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هذَا } ، قال : أوحينا إلى يوسف : { لتنبئنّ } إخوتك .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، قال : أوحى إلى يوسف وهو في الجبّ أن سينبئهم بما صنعوا ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ } ، قال : إلى يوسف .

وقال آخرون : معنى ذلك : وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به ، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، بما أطلع الله عليه ويوسف من أمرهم وهو في البئر .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، قال : أوحى الله إلى يوسف ، وهو في الجبّ ، أن ينبئهم بما صنعوا به ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة بنحوه ، إلا أنه قال : أن سينبئهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، يقول : وهم لا يشعرون أنه يوسف .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي ، عن أبيه ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما دخل إخوة يوسف ، فعرفهم وهم له منكرون ، قال : جيء بالصواع ، فوضعه على يده ، ثم نقره ، فطنّ ، فقال : إنه ليخبرني في هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه هونكم ، وإنكم انطلقتم به ، فألقيتموه في غيابة الجبّ ، قال : ثم نقره ، فطنّ ، فأتيتم أباكم ، فقلتم : إن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كذب . قال : فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم . قال ابن عباس : فلا نرى هذه آية نزلت إلا فيهم : { لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

وقوله تعالى : { فلما ذهبوا به } الآية ، أسند الطبري إلى السدي قال : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه به فجعل لا يرى منهم رحيماً ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فقال لهم يهوذا : ألم تعطوني موثقاً أن لا تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ، فجعلوا يدلونه فيتعلق بالشفير فربطوا يديه ونزعوا قميصه . فقال : يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادعُ الشمس والقمر والكواكب تؤنسك ؛ فدلوه حتى إذا بلغ نصف الجب ألقوه إرادة أن يموت ، فكان في الجب ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة يبكي ، فنادوه ، فظن أنهم رحموه ، فأجابهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وكان يأتيه بالطعام .

وجواب { لما } محذوف تقديره : { فلما ذهبوا به وأجمعوا } أجمعوا ، هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما في قول امرىء القيس : [ الطويل ]

فلما أجزنا ساحية الحي وانتحى{[6590]} . . . . . . . . . ومثل هذا قول الله تعالى :

{ فلما أسلما وتله للجبين }{[6591]}- وقال بعض النحاة - في مثل هذا- : إن الواو زائدة - وقوله مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى{[6592]} .

و { أجمعوا } معناه : عزموا واتفق رأيهم عليه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم - في المسافر - «ما لم يجمع مكثاً »{[6593]} ، على أن إجماع الواحد قد ينفرد بمعنى العزم والشروع ، ويتصور ذلك في إجماع إخوة يوسف وفي سائر الجماعات - وقد يجيء إجماع الجماعة فيما لا عزم فيه ولا شروع ولا يتصور ذلك في إجماع الواحد .

والضمير في { إليه } عائد إلى يوسف . وقيل على يعقوب ، والأول أصح وأكثر ، ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول ، ويحتمل أن يكون بإلهام أو بنوم - وكل ذلك قد قيل - وقال الحسن : أعطاه الله النبوءة وهو في الجب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد .

وقرأ الجمهور : «لتنبئنهم » بالتاء ، وفي بعض مصاحف البصرة بالياء ، وقرأ سلام بالنون ، وهذا كله في العلامة التي تلي اللام .

وقوله : { وهم لا يشعرون } قال ابن جريج : وقت التنبيه إنك يوسف{[6594]} . وقال قتادة : لا يشعرون بوحينا إليه . قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { وهم لا يشعرون } - على التأويل الأول - مما أوحي إليه - وعلى القول الثاني - خبر لمحمد صلى الله عليه وسلم .


[6590]:هذا صدر بيت، وهو بتمامه: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحــــــى بنا بطن خبت ذي حـقاف عقنقل والساحة: الفناء، والحي: القبيلة وجمعه أحياء، وانتحى: اعترض، والخبت: أرض مطمنة، والحقف من الرمل: المعوج (ويروى: "ركام" بدلا من "حقاف"، والعقنقل: المتداخل المتعقد، (ويروى البيت أيضا: ذي قفاف) وهي جمع قف وهو ما غلظ وارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا بعضه في بعض.
[6591]:من الآية (103) من سورة (الصافات).
[6592]:هذا رأي أكثر الكوفيين، وقد قالوا بزيادة الواو في البيت، وفي آية (الصافات)، أما البصريون فيقدرون الجواب محذوفا، وتقديره في آية يوسف: "فلما ذهبوا به و ......... عظمت فتنتهم"، وقيل تقديره: "جعلوه فيها"، ورجح أبو حيان هذا إذ يدل عليه قوله تعالى: {وأجمعوا أن يجعلوه}. وقال بعض المفسرين: الجواب مثبت في الآية وليس محذوفا، وهو قولهم بعد ذلك: {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق}. وعلى رأي من يرى أن الجواب محذوف يكون التقدير في آية (الصافات): "فازا وظفرا بما أحبا"، وفي البيت: "هصرت".
[6593]:الحديث في (الموطأ)، ولفظه فيه: (أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثا)، ومن اللفظة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)، رواه النسائي، والترمذي، والدارمي، وأبو داود، ومالك في الموطأ، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة)، رواه مالك في الموطأ.
[6594]:أي: لا يشعرون وقت تنبيهك لهم أنك يوسف، فكلمة (وقت) ظرف للفعل (يشعرون)، ويكون هذا دليلا على نبوته في ذلك الوقت.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

تفريع حكاية الذّهاب به والعزم على إلقائه في الجبّ على حكاية المحاورة بين يعقوب عليه السّلام وبنيه في محاولة الخروج بيوسف عليه السّلام إلى البادية يؤذن بجمل محذوفة فيها ذكر أنهم ألحوا على يعقوب عليه السّلام حتّى أقنعوه فأذن ليوسف عليه السّلام بالخروج معهم ، وهو إيجاز .

والمعنى : فلمّا أجابهم يعقوب عليه السّلام إلى ما طلبوا ذهبوا به وبلغوا المكان الذي فيه الجب .

وفعل ( أجمع ) يتعدّى إلى المفعول بنفسه . ومعناه : صمّم على الفعل ، فقوله : { أن يجعلوه } هو مفعول { وأجمعوا } .

وجواب ( لمّا ) محذوف دلّ عليه { أن يجعلوه في غيابت الجب } ، والتقدير : جعلوه في الجب . ومثله كثير في القرآن . وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن فهو تقليل في اللّفظ لظهور المعنى .

وجملة { وأوحينا إليه } معطوفة على جملة { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب } ، لأنّ هذا الموحى من مهمّ عبر القصة .

وقيل : الواو مزيدة وجملة { أوحينا } هو جواب ( لمّا ) ، وقد قيل بمثل ذلك في قوله امرىء القيس :

فلمّا أجزنا ساحة الحي وانتحى *** البيت .

وقيل به في قوله تعالى : { فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أنْ يا إبراهيم } [ سورة الصافات : 103 ، 104 ] الآية وفي جميع ذلك نظر .

والضمير في قوله : { إليه } عائد إلى يوسف عليه السّلام في قول أكثر المفسّرين مقتصرين عليه . وذكر ابن عطية أنّه قيل الضمير عائد إلى يعقوب عليه السّلام .

وجملة { لتنبئنهم بأمرهم هذا } بيان لِجلمة { أوحينا } . وأكّدت باللاّم ونون التوكيد لتحقيق مضمونها سواء كان المراد منها الإخبار عن المستقبل أو الأمر في الحال . فعلى الأوّل فهذا الوحي يحتمل أن يكون إلهاماً ألقاه الله في نفس يوسف عليه السّلام حين كيدهم له ، ويحتمل أنّه وحي بواسطة المَلك فيكون إرهاصاً ليوسف عليه السّلام قبل النّبوءة رحمة من الله ليزيل عنه كربه ، فأعلمه بما يدل على أن الله سيخلصه من هذه المصيبة وتكون له العاقبة على الذين كادوا له ، وإيذان بأنّه سيؤانسه في وحشة الجب بالوحي والبشارة ، وبأنه سينبىء في المستقبل إخوته بما فعلوه معه كما تؤذن به نون التوكيد إذا اقترنت بالجملة الخبرية ، وذلك يستلزم نجاته وتمكّنه من إخوته لأن الإنباء بذلك لا يكون إلا في حال تمكّن منهم وأمن من شرهم .

ومعنى { بأمرهم } : بفعلهم العظيم في الإساءة .

وجملة { وهم لا يشعرون } في موضع الحال ، أي لتخبرنهم بما فعلوا بك وهم لا يشعرون أنك أخوهم بل في حالة يحسبونه مطلعاً على المغيبات متكهناً بها ، وذلك إخبار بما وقع بعد سنين مما حكي في هذه السورة بقوله تعالى : { قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه } [ سورة يوسف : 89 ] الآيتين .

وعلى احتمال عود ضمير { إليه } على يعقوب عليه السّلام فالوحي هو إلقاء الله إليه ذلك بواسطة المَلَك ، والواو أظهر في العطف حينئذٍ فهو معطوف على جملة { فلما ذهبوا به } إلى آخرها { وأوحينا إليه } قبل ذلك . و { لتنبئنهم } أمر ، أي أوحينا إليه نَبّئْهم بأمرهم هذا ، أي أشعرهم بما كادوا ليوسف عليه السّلام ، إشعاراً بالتعريض ، وذلك في قوله : { وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون } [ سورة يوسف : 13 ] .

وجملة { وهم لا يشعرون } على هذا التقدير حال من ضمير جمع الغائبين ، أي وهم لا يشعرون أننا أوحينا إليه بذلك .

وهذا الجب الذي ألقي فيه يوسف عليه السّلام وقع في التوراة أنه في أرض ( دوثان ) ، ودوثان كانت مدينة حصينة وصارت خرابا . والمراد : أنه كانت حوله صحراء هي مرعى ومربع . ووصف الجب يقتضي أنه على طريق القوافل . واتّفق واصفو الجب على أنه بين ( بانياس ) و ( طبرية ) . وأنه على اثني عشر ميلاً من طبرية ممّا يلي دمشق ، وأنه قرب قرية يقال لها ( سنجل أو سنجيل ) . قال قدامة : هي طريق البريد بين بعلبك وطبرية .

ووصفها المتأخرون بالضبط المأخوذ من الأوصاف التاريخية القديمة أنه الطريق الكبرى بين الشام ومصر . وكانت تجتاز الأردن تحت بحيرة طبرية وتمر على ( دوثان ) وكانت تسلكها قوافل العرب التي تحمل الأطياب إلى المشرق ، وفي هذه الطريق جباب كثيرة في ( دوثان ) . وجب يوسف معروف بين طبرية وصفد ، بنيت عليه قبة في زمن الدولة الأيوبية بحسب التوسّم وهي قائمة إلى الآن .