الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } في الكلام إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلمّا ذهبوا به { وَأَجْمَعُواْ } وعزموا على { أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَبَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْه } هذه الواو مقحمة زائدة تقديره أوحينا ، كقوله تعالى

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103104 ] أي ناديناه وقال امرؤ القيس :

فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى *** بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل

أراد انتحى .

{ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني أوحينا إلى يوسف ، [ سوف تتحقق ] رؤياك ، ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وما فعلوه بك ، وهم لا يشعرون بوحي الله إليه وإعلامه إياه ذلك ، وهذا معنى قول مجاهد ، وقيل : معناه وهم لا يشعرون أنك يوسف .

قال ابن عباس : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنَّ وقال : أنه ليخبرني هذا الجام إنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ثم جئتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله وبعتموه بثمن خس ، فذلك قوله { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

قال السدّي : أرسل يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم من الكرامة ، فلمّا برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يجد منهم رحمة ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما يصنع بابنك هؤلاء الأبناء .

فلمّا كادوا ليقتلوه قال يهودا : أليس سألنا أبانا موثقاً ألاّ تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه في البئر ، فتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً تؤنسك ، قال : إنّي لم أرَ شيئاً .

فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فيه فقام عليها ، فلمّا ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنّها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهودا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقاً ألاّ تقتلوه ، وكان يهودا يأتيه بالطعام . ويقال : إن الله تعالى أمر صخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان ، وكان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين أُلقي في النار جرّد من ثيابه وقذف في النار عرياناً فأتاه جبريل ( عليه السلام ) بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه وكان ذلك [ القميص ] عند إبراهيم ، فلمّا مات ورثه إسحاق ، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب ، فلمّا شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنقه ، فكان لا يفارقه ، فلمّا أُلقي في البئر عرياناً جاء جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ أخرج القميص منه وألبسه إياه ، قال ابن عباس : ثم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف .