غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

1

{ فلما ذهبوا به وأجمعوا } عزموا على { أن يجعلوه في غيابت الجب } قيل : هو بئر ببيت المقدس . وقيل : بأرض الأردن . وقيل : بين مصر ومدين : وقيل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوبٍ . ثم إن كان جواب " لما " محذوفاً ففي الآية إضمار آخر كما تقدم في الوقوف . قال السدي : إن يوسف عليه السلام لما برز مع إخوته أظهروا له العداوة وأخذوا يهينونه ويضربونه وكلما استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء . فقال يهوذا أما أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه ، فلما أرادوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم . فقال : يا إخوتاه ردّوا عليّ قميصي أتوارى به فقالوا له : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً حتى ينقذوك ودلوه في البئر ، فلما بلغ نصفها ألقوه ليموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي فنادوه فظن أنها رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه ليقتلوه فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام . وروي أنه عليه السلام لما ألقي في الجب قال : يا شاهداً غير غائب ، ويا قريباً غير بعيد ، ويا غالباً غير مغلوب ، اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً . وحكي أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبرائيل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف فجاء جبرائيل فأخرجه وألبسه إياه { وأوحينا إليه } في صغر السن كما أوحي إلى يحيى وعيسى . وقيل : كان إذ ذاك بالغاً وعن الحسن كان له سبع عشر سنة { لتنبئنهم } لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك { وهم لا يشعرون } أنك يوسف لعلو شأنك وبعد حالك عن أوهامهم ولطول العهد المنسي المغير للهيئات والأشكال . يروى أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم ويقال له يوسف وكان يدنيه دونكم وإنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس . ويجوز أن يراد وهم لا يشعرون أنا آنسناه بالوحي وأزلنا الوحشة عن قلبه فتتعلق الجملة بقوله { وأوحينا } روي أن امرأة حاكمت إلى شريح فبكت فقال له الشعبي : يا أبا أمية أما تراها تبكي ؟

/خ20