المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

5- ما قطعتم - أيها المسلمون - من نخلة أو تركتموها باقية على ما كان عليه فبأمر الله . لا حرج عليكم فيه ، ليعز المؤمنين ، وليهين الفاسقين المنحرفين عن شرائعه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل ؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : " حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع البويرة " ، فنزلت : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } ، أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله . { وليخزي الفاسقين } واختلفوا في اللينة ، فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة ، وهو قول عكرمة وقتادة ، ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة " وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر : الألوان ، واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية . وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل . وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائماً هو لمن غلب عليها ، فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم ساق - سبحانه - ما يغرس الطمأنينة فى قلوب المؤمنين ، الذين اشتركوا فى تخريب ديار بنى النضير ، وفى قطع نخيلهم ، فقال - تعالى - : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } .

و " ما " شرطية فى موضع نصب ، بقوله : { قَطَعْتُمْ } وقوله : { مِّن لِّينَةٍ } بيان لها . .

وقوله : { فَبِإِذْنِ الله } جزاء الشرط . واللام فى قوله - تعالى - : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلقة بمحذوف .

واللينةواحدة اللين ، وهو النخل كله ، أو كرام النخل فقط .

قال الآلوسى ما ملخصه : اللينة هى النخلة مطلقا . . . وهى فعلة من اللَّونِ ، وياؤها مقلوبة عن واو لكسر ما قبلها - فأصل لِينَة : لِوْنَة . .

وقيل : اللينة : النخلة مطلقا . . . وقيل : هى النخلة القصيرة ، وقيل : الكريمة من النخل . . ويمكن أن يقال : أراد باللينة النخلة الكريمة .

وقد ذكروا فى سبب نزول الآية روايات منها : أن المسلمين عندما أخذوا فى تقطيع نخيل اليهود ، قال اليهود للنبى - صلى الله عليه وسلم - : ( يا محمد إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع النخيل ؟ )فأنزل الله هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين بعد أن قطعوا بعض النخيل ، ظنوا أنهم قد أخطأوا فى ذلك ، فقالوا : لنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين نهى بعضهم بعضا عن قطع النخيل ، وقالوا إنما هى مغانم للمسلمين ، فنزلت هذه الآية ؛ لتصديق من نهى عن القطع ، وتحليل من قطع من الإثم .

والمعنى : لا تختلفوا - ايها المؤمنون - فى شأن ما فعلتموه بنخيل بنى النضير ، فإن ذلك قطع شيئا من هذه النخيل لا إثم عليه ، والذى لم يقطع لا إثم عليه - أيضا - لأن كلا الأمرين بإذن الله - تعالى - ورضاه ، وفى كليهما مصلحة لكم .

لأن من قطع يكون قد فعل ما يغيظ العدو ويذله ، ويحمله على الاستسلام والخضوع لأمركم . . .

ومن ترك يكون قد فعل ما يعود بالخير عليكم ، لأن تلك النخيل الباقية ، منفعتها ستئول إليكم .

وقد شرع - سبحانه - لكم كلا الأمرين فى هذا المقام { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } عن أمره ، وهم يهود بنى النضير ، ومن ناصرهم ، وأيدهم ، وسار على طريقتهم فى الخيانة والغدر .

فالآية الكريمة المقصود بها : إدخال المسرة والبهجة فى قلوب المؤمنين ، حتى لا يتأثروا بما حدث منهم بالنسبة لنخيل بنى النضير ، وحتى يتركوا الخلاف فى شأن هذه المسألة ، بعد أن صدر حكم الله - تعالى - فيها ، وهو أن القطع والترك بإذنه ورضاه ، لأن كلا الأمرين يغرس الحسرة فى قلوب الأعداء .

وعبر - سبحانه - باللينة عن النخلة ، لأن لفظ " لينة " أخف لفظا ، وأدخل فى كونها نخلة من كرام النخل .

وقال - سبحانه - : { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا } لتصوير هيئتها وحسنها وأن فروعها قد بقيت قائمة على أصولها ، التى هى جذورها وجذوعها .

قال الآلوسى : وقوله : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلق بمقدر على أنه علة له ، وذلك المقدر عطف على مقدر آخر . أى : ليعز المؤمنين ، وليخزى الفاسقين أى : ليذلهم . . .

والمراد بالفاسقين : أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب . ووضع الظاهر موضع المضمر ، إشعارا بعلة الحكم - أى أن فسقهم هو السبب فى إخزائهم .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية : أن تخريب ديار العدو ، وقطع الأشجار التى يملكها ، وهدم حصونه ومعسكراته . . جائز ما دام فى ذلك مصلحة تعود على المسلمين ، وما دامت هناك حرب بينهم وبين أعدائهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

وقوله تعالى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } اللين : نوع من التمر ، وهو جيد .

قال : أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبَرْنِيّ من التمر .

وقال كثيرون{[28511]} من المفسرين : اللينة : ألوان التمر سوى العجوة .

قال : ابن جرير : هو جميع النخل . ونقله عن مجاهد : وهو البُوَيرة أيضًا ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم{[28512]} إهانة لهم ، وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم . فروى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : [ فبعث بنو النضير ] {[28513]} يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة ، أي : ما قطعتم وما تركتم من الأشجار ، فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته {[28514]} ورضاه ، وفيه نكاية بالعدو{[28515]} وخزي لهم ، وإرغام لأنوفهم .

وقال مجاهد : نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل ، وقالوا : إنما هي مغانم المسلمين . فنزل{[28516]} القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وإنما قطعه وتركه بإذنه . وقد روي نحو هذا مرفوعًا ، فقال النسائي : أخبرنا الحسن بن محمد ، عن{[28517]} عفان ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } قال : يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، فحاك في صدورهم ، فقال المسلمون : قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا ، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } {[28518]} .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا سفيان بن وَكِيع ، حدثنا حفص ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن جابر - وعن أبي الزبير ، عن جابر - قال : رخص لهم في قطع النخل ، ثم شدد عليهم فأتوا{[28519]} النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ، عز وجل : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ } {[28520]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحَرّق .

وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ، بنحوه {[28521]} ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : حاربت{[28522]} النضيرُ وقريظة ، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومَنّ عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم وقسم{[28523]} نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأمَّنهم وأسلموا ، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ، وهم رهط عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكلّ يهود بالمدينة .

ولهما أيضًا عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير وقطع - وهي البُوَيرةُ - فأنزل الله ، عز وجل فيه : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } {[28524]} .

وللبخاري ، رحمه الله ، من رواية جُوَيْرية بن أسماء عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير{[28525]} . ولها يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :

وَهَان عَلى سَراة بني لُؤيّ *** حَريق بالبُوَيَرة مُسْتَطيرُ

فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :

أدَام اللهُ ذلكَ من صَنيع *** وَحَرّق في نَوَاحيها السَّعير

سَتَعلم أيُّنا منْها بِنزهٍ *** وَتَعْلُمُ أيّ أرْضينَا نَضِيرُ

كذا رواه البخاري {[28526]} ولم يذكره ابن إسحاق .

وقال محمد ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :

لَقَد خَزيت {[28527]} بغَدْرَتِها الحُبُور *** كَذَاكَ الدهرُ ذو صَرْف يَدُورُ

وَذَلك أنَّهم كفَرُوا بِرَبّ *** عَظيم أمرُهُ أمرٌ كَبِيرُ

وقَد أوتوا معًا فَهمًا وعلما *** وَجَاءهُمُ من الله النَّذيرُ

نَذير صَادق أدّى {[28528]} كتابا *** وآيات مُبَيَّنَةً تُنيرُ

فقال {[28529]} ما أتيت بأمر صدق *** وأنت بمنكر منا جَديرُ

فقال : بَلى لقد أديتُ حقًا *** يُصَدّقني به الفَهم الخَبيرُ

فَمن يَتْبعه يُهدَ لِكُل رُشُد *** وَمَن يَكفُر به يُجزَ الكَفُورُ

فَلَمَّا أْشربُوا غَدْرًا وكُفْرًا *** وَجَدّ بهم عن الحَقّ النَفورُ

أرَى الله النبيّ بِرَأي صدْق *** وكانَ الله يَحكُم لا يَجُورُ

فَأيَّدَهُ وَسَلَّطَه عَلَيهم *** وكانَ نَصيرهُ نعْم النَّصيرُ . . .

فَغُودرَ منْهمُو كَعب صريعًا *** فَذَلَّتْ بعدَ مَصْرَعة النَّضيرُ

عَلى الكَفَّين ثمَّ وقَدْ عَلَتْهُ . . . بأيدينا مُشَهَّرة ذكُورُ

بأمْر مُحَمَّد إذ دَس لَيلا *** إلى كَعب أخَا كَعب يَسيرُ

فَمَا كَرَه فَأنزلَه بِمَكْر *** وَمحمودُ أخُو ثقَة جَسُورُ

فَتلْك بَنُو النَّضير بدار سَوء *** أبَارَهُمُ بما اجترموا المُبيرُ

غَداة أتاهُمُ في الزّحْف رَهوًا *** رَسُولُ الله وَهّوَ بهم بَصيرُ

وَغَسَّانُ الحماةُ مُوازرُوه *** عَلَى الأعداء وهو لهم وَزيرُ

فَقَالَ : السْلم ويحكمُ فَصَدّوا *** وَحَالفَ أمْرَهَم كَذبٌ وَزُورُ

فَذَاقُوا غبّ أمْرهُمُ دَبَالا *** لكُلّ ثَلاثَة منهُم بَعيرُ

وَأجلوا عَامدين لقَينُقَاع *** وَغُودرَ مِنْهُم نَخْل ودُورُ {[28530]}

قال : وكان مما{[28531]} قيل من الأشعار في بني النضير قولُ ابن لُقَيم العَبْسيّ - ويقال : قالها قيس بن بحر بن طريف ، قال ابن هشام الأشجعي :

أهلي فدَاءٌ لامرئ غَير هَالك *** أحَلّ {[28532]} اليهودَ بالحَسِى{[28533]} المُزَنَّم

يَقيلُونَ في جَمْر الغَضاة وبُدّلُوا *** أهَيضبَ عودا بالوَدي المُكَمَّم

فإن يَكُ ظَني صَادقًا بمُحَمد *** يَرَوا خَيلَه بينَ الصّلا وَيَرمْرَم{[28534]}

يَؤمّ بها عَمرو بنُ بُهثَةَ إنَّهُمْ *** عَدُو ما حَيّ صَديق كمُجْرم

عَلَيهنّ أبطالُ مَساعيرُ في الوَغَى *** يَهُزّونَ أطرافَ الوَشيج المُقَوّم

وكُلّ رَقيق الشَّفرتَين مُهَنَّدٍ *** تُورثْنَ من أزْمان عاد وَجُرْهُمِ

فَمَن مُبلغٌ عَني قُرَيشًا رسَالة *** فَهَلْ بَعدَهُم في المجْد من مُتَكرّم

بأنّ أخاكمُ فاعلَمنّ مُحَمَّدًا *** تَليدُ النَّدى بينَ الحَجُون وزَمْزَم

فَدينُوا له بالحقّ تَجْسُمْ أمُورُكم *** وتَسْمُوا منَ الدنْيا إلى كُل مُعْظَم

نبي تلافَته منَ الله رَحَمةٌ *** ولا تَسْألُوهُ أمْرَ غَيب مُرَجَّم

فَقَدْ كانَ في بَدْر لَعَمْري عِبرَةٌ *** لَكُم يا قُرَيش والقَليب المُلَمَّم

غَدَاة أتَى في الخَزْرَجيَّةِ عامِدًا *** إليكُم مُطيعًا للعَظيمِ المُكَرّم

مُعَانًا برُوح القُدْس يَنْكي عَدوه *** رَسُولا مِنَ الرّحمن حَقّا بِمَعْلم

رَسُولا مِنَ الرّحمن يَتْلُو كِتابَهُ *** فَلَمّا أنارَ الحَقّ لم يَتَلعْثَم

أرَى أمْرَهُ يَزْدَادُ في كُلّ مَوْطن *** عُلُوّا لأمرْ حَمَّه اللهُ مُحْكَم{[28535]}

وقد أورد ابن إسحاق ، رحمه الله ، هاهنا أشعارًا كثيرة ، فيها آداب ومواعظ وحكم ، وتفاصيل للقصة ، تركنا باقيها اختصارًا واكتفاء بما ذكرناه ، ولله الحمد والمنة .

قال ابن إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة . وحكى البخاري ، عن الزهري ، عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر{[28536]} .


[28511]:- (4) في م: "كثير".
[28512]:- (5) في م: "نخلهم".
[28513]:-(6) في هـ بياض، وفي م: "بنو قريظة" وهو خطأ، والمثبت من تفسير الطبري. ومستفادا من هامش ط. الشعب.
[28514]:- (7) في م: "وقدره".
[28515]:- (8) في م: "للعدو".
[28516]:- (9) في م: "فأنزل".
[28517]:- (10) في م: "بن".
[28518]:- (11) سنن النسائي الكبرى برقم (11574).
[28519]:- (1) في م: "فسألوا".
[28520]:- (2) مسند أبي يعلى (4/135) وفيه سفيان بن وكيع، وهو ضعيف. تنبيه: رواية سليمان بن موسى عن جابر لم أجدها في مسند أبي يعلى المطبوع فلعلها سقطت.
[28521]:- (3) المسند (2/7) وصحيح البخاري برقم (2021) وصحيح مسلم برقم (1746).
[28522]:- (4) في م: "حارب".
[28523]:- (5) في م: "فقتل من رجالهم وسبى وقسم".
[28524]:- (6) صحيح البخاري برقم (4884) وصحيح مسلم برقم (1746).
[28525]:- (7) في هـ، أ: "نخل بنى النضير، وقطع البويرة"، وقوله: "قطع البويرة" غير ثابت في البخاري، ويبدو أنه سهو من الناسخ.
[28526]:- (1) صحيح البخاري برقم (4032).
[28527]:- (2) في أ: "خربت".
[28528]:- (3) في م: "أوتي".
[28529]:- (4) في م: "فقالوا".
[28530]:- (5) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/199).
[28531]:- (6) في م: "ومما كان".
[28532]:- (1) في أ: "أجلي".
[28533]:- (2) في م، أ: "بالحس".
[28534]:- (3) في أ: "بين الصفا وبزمزم".
[28535]:- (4) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/195).
[28536]:- (5) صحيح البخاري (7/329) "فتح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني بني النضير فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء جمعيا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ } قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ، ولا عدّة في قريظة وخيبر ، ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }قال : أمر الله عزّ وجلّ نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها . قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وَفدَك وقُرًى عَرَبيةً ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسّمها ، فأنزل الله عزّ وجلّ عذره ، فقال : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْل القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَاليتَامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ ثم قال : وَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا . . . }الآية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ }يعني يوم قُرَيظة .

وقوله : { وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَنْ يَشاء }أعلمك أنه كما سلّط محمدا صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يُوجِفِ المسلمون بالخيل والركاب ، من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى . يقول : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح إلا عنوة ، ، فتقع فيها القسمة { وَاللّه على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }يقول : والله على كلّ شيء أراده ذو قدرة لا يَعجزه شيء ، وبقُدرته على ما يشاء سلّط نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة }أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان ، وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان { أو تركتموها }الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة { قائمة على أصولها } ، وقرىء أصلها اكتفاء بالضمة عن الواو ، أو على أنه كرهن ، { فبإذن الله } فبأمره ، { وليخزي الفاسقين } علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه ، روي أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقطع نخيلهم قالوا قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم .