المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

تحدثت في بدايتها عن إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعن إنكار الكفار أن يجيء رسول منهم ، واستبعادهم البعث بعد أن يصيروا ترابا ، وعرضت للأدلة الكونية الدالة على أن الله لا يعجزه أن يبعث الناس بعد موتهم ، وهو الذي خلقهم أولا ويعلم ما توسوس به نفوسهم ، وأحصى أعمالهم وأقوالهم في كتاب دقيق الحفظ ، وأبانت أن محاولة الكفار في يوم القيامة التنصل من الكفر الذي كان في الدنيا بإلقاء التبعة على قرنائهم من الشياطين لا تجديهم نفعا . إذ ينتهي الجدال بينهم بإلقائهم جميعا في النار . في حين يتفضل الله على المؤمنين بالنعيم الدائم في الجنة . ثم أنهت السورة حديثها بأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى الكافرين الذين لم يعتبروا بمصير المكذبين من الأمم قبلهم ، وتوجيهه صلى الله عليه وسلم إلى الثبات على عبادة الله ، وتأكيد أمر البعث ، وتسليته صلى الله عليه وسلم بأنه مذكر للمؤمنين ، وليس بمسيطر على الكافرين .

1 - ق : حرف من حروف الهجاء افتتحت السورة به على طريقة القرآن الكريم في افتتاح بعض السور ببعض هذه الحروف للتحدي وتنبيه الأذهان ، أُقسم بالقرآن ذي الكرامة والمجد والشرف : إنا أرسلناك - يا محمد - لتنذر الناس به ، فلم يؤمن أهل مكة ، بل عجبوا أن جاءهم رسول من جنسهم يُنذرهم بالبعث ، فقال الكافرون : هذا شيء منكر عجيب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ق

مكية وآياتها خمس وأربعون

قوله عز وجل : { ق } قال ابن عباس : هو قسم ، وقيل : هو اسم للسورة ، وقيل : هو اسم من أسماء القرآن . وقال القرظي : هو مفتاح اسمه القدير ، والقادر والقاهر والقريب والقابض . وقال عكرمة والضحاك : هو جبل يحيط بالأرض من زمردة خضراء ، منه خضرة السماء والسماء مقببة عليه ، وعليه كتفاها ، ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة . وقيل : معناه قضي الأمر ، أو قضي ما هو كائن ، كما قالوا في حم . { والقرآن المجيد } الشريف الكريم على الله ، الكثير الخير .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ق

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة " ق " هي السورة الخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد " المرسلات " .

ويبدو أن نزولها كان في أوائل العهد المكي ، إذ من يراجع ترتيب السور على حسب النزول يرى أنها لم يسبقها سوى اثنتين وثلاثين سورة ، ومعظم السور التي سبقتها كانت من الجزء الأخير من القرآن الكريم( {[1]} ) .

وهي من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها خمس وأربعون آية ، وتسمى –أيضا- بسورة " الباسقات " .

2- وقد ذكر الإمام ابن كثير في مقدمة تفسيره لها جملة من الأحاديث في فضلها ، منها ما رواه مسلم وأهل السنن ، عن أبي واقد الليثي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسورة " ق " وبسورة [ اقتربت الساعة . . . ] .

وروى الإمام أحمد عن أم هشام بنت حارثة قالت : ما أخذت [ ق والقرآن المجيد ] إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يقرؤها كل يوم جمعة إذا خطب الناس .

ثم قال ابن كثير : والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ، كالعيد والجمع ، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور ، والمعاد والقيام ، والحساب ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب . . ( {[2]} ) .

3- والحق ، أن المتأمل في هذه السورة الكريمة يراها قد اشتملت على ما ذكره الإمام ابن كثير ، بأسلوب بليغ بديع .

فهي تبدأ بالثناء على القرآن الكريم ، ثم تذكر دعاوي المشركين وترد عليهم بما يخرس ألسنتهم ، ثم توبخهم على عدم تفكرهم في أحوال هذا الكون الزاخر بالآيات والكائنات الدالة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته .

قال –تعالى- : [ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ، كيف بنيناها وزيناها ، وما لها من فروج . والأرض مددناها ، وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ] .

4- ثم تذكرهم –أيضا- بسوء عاقبة المكذبين من قبلهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، وقوم فرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة . .

ثم تتبع ذلك بتذكيرهم بعلم الله –تعالى- الشامل لكل شيء ، وبسكرات الموت وما يتبعها من بعث وحساب ، وثواب وعقاب . .

قال –تعالى- : [ وجاءت سكرة الموت بالحق ، ذلك ما كنت منه تحيد . ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . لقد كنت في غفلة من هذا ، فكشفنا عنك عطاءك ، فبصرك اليوم حديد ] .

5- ثم تختتم السورة الكريمة ، بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه ، وترشده إلى العلاج الذي يعينه على مداومة الصبر ، كما تحكي له أحوالهم يوم القيامة ليزداد يقينا على يقينه ، وتأمره بالمواظبة على تبليغهم ، بما أمره الله –تعالى- بتبليغه .

لنستمع إلى قوله –تعالى- : [ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب ، يوم يسمعون الصيحة بالحق ، ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير .

يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير . نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ] .

وهكذا تطوف بنا السورة الكريمة في أعماق هذا الكون ، وفي أعماق النفس الإنسانية ، منذ ولادتها ، إلى بعثها ، إلى حسابها ، إلى جزائها . . وذلك كله بأسلوب مؤثر بديع ، يشهد بأن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

القاهرة – مدينة نصر

6 من جمادى الأولى 1406ه - 17/1/1986م .

د . محمد سيد طنطاوي

سورة " ق " من السور القرآنية ، التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وأقرب الأقوال إلى الصواب فى معنى هذه الحروف ، أنها جئ بها على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن . فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعارضين فى أن القرآن من عند الله : ها كم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم .

فإن كنتم فى شك فى كونه منزلا من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله .

فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - سبحانه - .

وهذا الرأى وهو كون " ق " من الحروف الهجائية ، هو الذى تطمئن إليه ، وهناك أقوال أخرى فى معنى هذا الحرف ، تركناها لضعفها كقول بعضهم إن " ق " اسم جبل محيط بجميع الأرض . . وهى أقوال لم يقم دليل نقلى أو عقلى على صحتها .

قال ابن كثير : وقد روى عن بعض السلف ، أنهم قالوا " ق " جبل محيط بالأرض ، يقال له جبل " قل " وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بنى إسرائيل أخذها عنهم بعض الناس . .

والواو فى قوله - تعالى - : { والقرآن المجيد } للقسم ، والمقسم به القرآن الكريم ، وجواب القسم محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وهو استبعادهم لعبثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم للبعث والحساب . .

وقوله : { المجيد } صفة للقرآن . أى : ذى المجد والشرف وكثرة الخير .

ولفظ المجيد مأخوذ من المجد ، بمعنى السعة والكرم ، وأصله من مجدت الإِبل وأمجدت ، إذا وقعت فى مرعى مخصب ، واسع ، الجنبات ، كثير الأعشاب .

والمعنى : أقسم بالقرآن ذى المجد والشرف ، وذى الخير الوفير الذى يجد فيه كل طالب مقصوده ، إنك - أيها الرسول الكريم - لصادق فيما تبلغه عن ربك من أن البعث حق والحساب حق ، والجزاء حق . . ولكن الجاحدين لم يؤمنوا بذلك .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية .

وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح ، وقيل : من الحجرات . وأما ما يقوله العامة{[1]} : إنه من( عَمّ ) فلا أصل له ، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين{[2]} فيما نعلم . والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود في سننه ، باب " تحزيب القرآن " ثم قال :

حدثنا مُسَدَّد ، حدثنا قُرَّان بن تمام ، ( ح ) وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد سليمان بن حبان - وهذا لفظه - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن جده - قال عبد الله بن سعيد : حدثنيه أوس بن حذيفة - ثم اتفقا . قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف ، قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قُبة له - قال مسَدَّد : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف ، قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] {[3]} كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا - قال أبو سعيد : قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام - فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش ، ثم يقول : لا سواء {[4]} وكنا مستضعفين مستذلين - قال مُسدَّد : بمكة - فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ، ندال عليهم ويدالون علينا . فلما كانت ليلة أبطأ{[5]} عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ، فقلنا : لقد أبطأت عنا {[6]} الليلة ! قال : " إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أجيء حتى أتمه " . قال أوس : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده .

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي خالد الأحمر ، به . ورواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، هو ابن{[7]} يعلى الطائفي به {[8]} .

إذا علم هذا ، فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة ، فالتي بعدهن سورة " ق " . بيانه : ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، والنساء . وخمس : المائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة . وسبع : يونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد ، وإبراهيم ، والحجر ، والنحل . وتسع : سبحان ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، والحج ، والمؤمنون ، والنور ، والفرقان . وإحدى عشرة : الشعراء ، والنمل ، والقصص ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والم ، السجدة ، والأحزاب ، وسبأ ، وفاطر ، و يس . وثلاث عشرة : الصافات ، وص ، والزمر ، وغافر ، و حم ، السجدة ، وحم عسق ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف ، والقتال ، والفتح ، والحجرات . ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة ، رضي الله عنهم . فتعين أن أوله سورة " ق " وهو الذي قلناه{[9]} ، ولله الحمد والمنة .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا مالك ، عن ضَمْرة بن سعيد ، عن عُبَيد الله {[10]} بن عبد الله ؛ أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال : بقاف ، واقتربت .

ورواه مسلم وأهل السنن الأربعة ، من حديث مالك ، به {[11]} . وفي رواية لمسلم عن فليح{[12]} عن ضمرة ، عن عبيد الله{[13]} ، عن أبي واقد قال : سألني عمر ، فذكره{[14]} .

حديث آخر : وقال أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد{[15]} بن زُرَارة ، عن أم هشام بنت حارثة قالت : لقد كان تَنُّورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين ، أو سنة وبعض سنة ، وما أخذت { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس .

رواه مسلم [ أيضا ]{[16]} من حديث ابن إسحاق ، به {[17]} .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن خبيب {[18]} ، عن عبد الله بن محمد بن معن ، عن ابنة الحارث بن النعمان قالت : ما حفظت " ق " إلا من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخطب بها كل جمعة . قالت : وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا .

وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ، من حديث شعبة ، به {[19]} .

والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ، كالعيد والجمع ، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور ، والمعاد والقيام ، والحساب ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب .

{ ق } : حرف من حروف الهجاء المذكورة {[27267]} في أوائل السور ، كقوله : ( ص ، ن ، الم ، حم ، طس ) ونحو ذلك ، قاله مجاهد وغيره . وقد أسلفنا الكلام عليها ، في أول " سورة البقرة " بما أغنى عن إعادته .

وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا { ق } : جبل محيط بجميع الأرض ، يقال له جبل قاف . وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما{[27268]} لا يصدق ولا يكذب . وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم ، يلبسون به على الناس أمر دينهم ، كما افترى في هذه الأمة - مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها - أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم ، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى ، وقلة الحفاظ النقاد فيهم ، وشربهم الخمور{[27269]} ، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ، وتبديل كتب الله وآياته ! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : " وحدثوا عن بني إسرائيل ، ولا حرج " فيما قد يجوزه العقل ، فأما فيما تُحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل - والله أعلم .

وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين ، وكذا طائفة كثيرة من الخلف ، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد ، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ، ولله الحمد والمنة ، حتى إن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، رحمه الله ، أورد هاهنا أثرا غريبا لا يصح سنده عن ابن عباس فقال :

حدثنا أبي قال : حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي : حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : خلق الله من وراء هذه الأرض بحرًا محيطًا ، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له " ق " السماء الدنيا مرفوعة عليه . ثم خلق الله من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات . ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطًا بها ، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له " ق " السماء الثانية مرفوعة عليه ، حتى عد سبع أرضين ، وسبعة أبحر ، وسبعة أجبل ، وسبع سموات . قال : وذلك قوله : { وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [ لقمان : 27 ] .

فإسناد هذا الأثر فيه انقطاع ، والذي رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { ق } قال : هو اسم من أسماء الله ، عز وجل .

والذي ثبت عن مجاهد : أنه حرف من حروف الهجاء ، كقوله : ( ص ، ن ، حم ، طس ، الم ) ونحو ذلك . فهذه تُبْعِد ما تقدم عن ابن عباس .

وقيل : المراد " قضِي الأمر واللهِ " ، وأن قوله : { ق } دلت على المحذوف من بقية الكلم{[27270]} كقول الشاعر :

قلت لها : قفي فقالت : قاف

وفي هذا التفسير نظر ؛ لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه ، ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ .

وقوله : { وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } أي : الكريم العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .

واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }

وفي هذا نظر ، بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم ، وهو إثبات النبوة ، وإثبات المعاد ، وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم متلقى لفظًا ، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ ص : 1 ، 2 ] ،

وهكذا قال هاهنا : { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ }


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[8]:في د: "أن يعذب".
[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[27267]:- (1) في م: "الذي تقدم ذكرها".
[27268]:- (2) في م: "مما".
[27269]:- (3) في أ: "الخمر".
[27270]:- (4) في م، أ: "الكلمة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هََذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } .

اختلف أهل التأويل في قوله : ق ، فقال بعضهم : هو اسم من أسماء الله تعالى أُقسم به ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس في قوله : ق و ن وأشباه هذا ، فإنه قسم أقسمه الله ، وهو اسم من أسماء الله .

وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله ق قال : اسم من أسماء القرآن .

وقال آخرون : ق اسم الجبل المحيط بالأرض ، وقد تقدّم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : وَالقُرآنِ المَجِيدِ يقول : والقرآن الكريم . كما :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَير ق والقرآن المَجِيدِ قال : الكريم .

واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم ، فقال بعض نحوّيي البصرة ق والقُرآنِ المَجِيدِ قسم على قوله : قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وقال بعض نحوّيي أهل الكوفة : فيها المعنى الذي أقسم به ، وقال : ذكر أنها قضى والله ، وقال : يقال : إن قاف جبل محيط بالأرض ، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع : أي هو قاف والله قال : وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء قال : ولعلّ القاف وحدها ذكرت من اسمه ، كما قال الشاعر :

*** قُلْت لهَا قِفِي لَنَا قالَتْ قافْ ***

ذُكرت القاف إرادة القاف من الوقف : أي إني واقفة .

وهذا القول الثاني عندنا أولى القولين بالصواب ، لأنه لا يعرف في أجوبة الإيمان قد ، وإنما تجاب الأيمان إذا أجيبت بأحد الحروف الأربعة : اللام ، وإن ، وما ، ولا ، أو بترك جوابها فيكون ساقطا .