محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

50 – سورة ق

وتسمى سورة ( الباسقات ) . وهي مكية بالإجماع . وآيها خمس وأربعون آية .

قال ابن كثير : وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح ، وقيل : من الحجرات . وأما ما يقوله العوام أنه من ( عمّ ) فلا أصل له ، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم . والدليل على ما رواه أوس بن حذيفة قال : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده . فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ( ق ) بيانه :

ثلاث : البقرة وآل عمران والنساء .

وخمس : المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة .

وسبع : يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل .

وتسع : سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان .

وإحدى عشرة : الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان وألم السجدة وسبأ وفاطر ويس .

وثلاث عشرة : الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال والفتح والحجرات .

/ ثم بعد ذلك الحزب المفصل ، كما قاله الصحابة رضي الله عنهم ، فتعيّن أن أوّله سورة ( ق ) .

وروى الإمام أحمد{[1]} ومسلم{[2]} وأهل ( السنن ) ( أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثيّ : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال : ب ( ق ) و ( اقتربت ) ) .

وروى مسلم{[3]} وغيره ، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : ( ما حفظت ( ق ) إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يخطب بها كل جمعة . وفي رواية : كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) . والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ، كالعيد والجمع ، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب . انتهى .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ق والقرآن المجيد 1 } .

{ ق } هو حرف من حروف التهجي المفتتح بها أوائل السور ، مثل : ص ، ون ، والم ، وحم ، ونحوها . علم على السورة ، على الصحيح من أقوال ، كما تقدم مرارا .

تنبيه :

قال ابن كثير : روي عن بعض السلف أنهم قالوا : ( ق ) جبل محيط بجميع الأرض ، يقال له ( جبل قاف ( . وكأن هذا – والله أعلم – من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم ، مما لا يصدّق ولا يكذّب . وعندي أن هذا وأمثاله من اختلاق بعض زنادقتهم ، يلبسون به على الناس أمر دينهم ، كما افتُرِيَ في هذه الأمة ، مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها ، أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بالعهد من قدم . فكيف بأمة بني إسرائيل ، مع طول المدى ، وقلة الحفّاظ والنقاد فيهم ، وشربهم الخمور ، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ، وتبديل كتب الله وآياته ؟ وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله :{[6714]} ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) فيما قد يجوّزه العقل . فأما فيما تحيله العقول ، ويحكم فيه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل .

وقد أكثر كثير من السلف المفسرين ، وكذا طائفة كثيرة من الخلف ، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب ، تفسير القرآن المجيد ، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ، ولله الحمد والمنة .

/ ثم ردّ ابن كثير ، رحمه الله ، ما قيل من أن المراد من ( ق ) قضى الأمر والله ! كقول الشاعر :{[6715]}

* قلت لها قفي فقالت قاف*

أي : إني واقفة ، بأن في هذا نظرا ، لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف . انتهى .

{ والقرآن المجيد } أي : ذي المجد والشرف على غيره من الكتب .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).
[3]:(2 البقرة 282).
[6714]:أخرجه البخاري في: 60 – كتاب الأنبياء، 50 – باب ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم 1624 عن ابن عمرو.
[6715]:لم أقف عليه.