فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ق

هي خمس وأربعون آية ، وهي مكية كلها

في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وعن ابن عباس وقتادة أنها مكية ألا آية ، وهي قوله : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وما مسنا من لغوب } وهي أول المفصل على الصحيح ، وقيل : من الحجرات .

وقد أخرج مسلم وغيره عن قطبة بن مالك قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في الركعة الأولى ق والقرآن المجيد .

وعن أبي واقد الليثي قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد بقاف واقتربت " {[1]} أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن .

وعن أم هشام ابنة حارثة قالت : " ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس " {[2]} أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجة والبيهقي ، وهو في صحيح مسلم .

{ ق } الكلام في إعراب هذا ، كالكلام الذي قدمناه في { ص } سواء بسواء ، لالتقائهما في أسلوب واحد ، قرأ العامة بالجزم ، وقرئ بكسر الفاء لأن الكسر أخو الجزم ، وقرئ بفتحها لأن الفتح أخف الحركات قرئ بضمها لأنه في غالب الأمر حركة البناء ، نحو منذ ، وقط ، وقبل ، وبعد واختلف في معنى ق فقال الواحدي قال المفسرون : هم اسم جبل يحيط بالدنيا من زبرجد وقيل من زمردة خضراء ، واخضرت السماء منه والسماء مقببة عليه وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة قال الفراء : كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في ق لأنه اسم وليس بهجاء ، قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل : قلت لها قفي ، فقالت : قاف ، أي : أنا واقفة ، وحكى الفراء والزجاج أن قوما قالوا : معنى ق قضي الأمر وقضي ما هو كائن كما قيل في حم : حم الأمر ، وقيل : هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ، قاله ابن عباس وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن .

وقال الشعبي : فاتحة السورة ، وقال أبو بكر الوراق : معناه قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما . وقال الأنطاكي : هو قرب الله من عباده ، بيانه { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقال القرطبي : افتتاح اسم الله عز وجل قادر وقاهر وقريب وقابض وقاض ، وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه وأبطل والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ، كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة ، فالله أعلم بمراده به وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أثرا طويلا في بيان جبل قاف قال ابن كثير : لا يصح سنده عنه وفيه أيضا انقطاع .

{ والقرآن المجيد } أي : أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة وقال الحسن الكريم ، وبه قال ابن عباس ، وقيل : الرفيع القدر ، وقيل الكبير القدر ، وعن ابن عباس ، قال : ليس شيء أحسن منه ولا أفضل ، وجواب القسم قال الكوفيون : هو قوله : { بل عجبوا } وقال الأخفش محذوف أي لتبعثن ، يدل عليه { أئذا متنا وكنا ترابا } ؟ وقال ابن كيسان : جوابه { ما يلفظ من قول } ، لأن ما قبلها عوض منها ، وقيل : هو { قد علمنا } بتقدير اللام ، أي لقد علمنا ، وقيل : محذوف تقديره أنزلناه إليك لتنذر ، كأنه قيل : ق والقرآن المجيد أنزلناه إليك لتنذر به الناس .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[2]:- أين هذا الحديث: من رواه؟ من أخرجه؟ لم نجده في أي كتاب لدينا.