الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكّية ، وهي ألف وأربعمائة وأربع وتسعون حرفاً ، وثلاثمائة وسبع وخمسون كلمة ، وخمسة وأربعون آية

أخبرنا أبو الحسين محمد بن القاسم بن أحمد الماوردي ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد ابن محمد بن سادة الكرابيسي ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسين ، قال : حدّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدّثنا مسلم بن قتيبة ، عن سعيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حش ، عن أُبي بن كعب ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة ق ، هوّن الله عليه تارات الموت ، وسكراته ) .

{ ق } قال ابن عبّاس : هو اسم من أسماء الله سبحانه ، أقسم به . قتادة : اسم من أسماء القرآن ، القرظي : إفتتاح أسماء الله ، قدير ، وقادر ، وقاهر ، وقاضي ، وقابض . الشعبي : فاتحة السُّورة . بُريد ، وعكرمة ، والضحّاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء ، خضرة السماء منه ، وعليه كتفا السماء ، وما أصاب الناس من زمرد ، فهو ما يسقط من الجبل ، وهي رواية أبي الحوراء ، عن ابن عبّاس . قال وهب بن منبه : إنّ ذا القرنين أتى على جبل قاف ، فرأى حوله جبالاً صغاراً ، فقال له : ما أنت ؟ قال : أنا قاف ، قال : وما هذه الجبال حولك ؟ قال : هي عروقي ، وليست مدينة من المدائن إلاّ وفيها عرق منها ، فإذا أراد الله أن يزلزل تلك الأرض أمرني ، فحرّكت عرقي ذلك ، فتزلزلت تلك الأرض ، فقال له : يا قاف ، فأخبرني بشيء من عظمة الله ، قال : إنّ شأن ربّنا لعظيم ، تقصر عنه الصفات ، وتنقضي دونه الأوهام .

قال : فأخبرني بأدنى ما يوصف منها . قال : إنّ ورائي لأرضاً مسيرة خمسمائة عام في عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضه بعضاً ، لولا ذاك الثلج لاحترقت من حرّ جهنّم . قال : زدني ، قال : إنّ جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله سبحانه ترعد فرائصه ، يخلق الله من كلّ رعدة مائة ألف ملك ، وأُولئك الملائكة صفوف بين يدي الله سبحانه ، منكّسو رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام ، قالوا : لا إله إلاّ الله ، وهو قوله :

{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 38 ] يعني لا إله إلاّ الله .

وقال الفرّاء : وسمعت من يقول : ( ق ) : قضي ما هو كائن ، وقال أبو بكر الورّاق : معناه قف عند أمرنا ، ونهينا ، ولا تعدهما . وقيل : معناه قل يا محمّد .

أحمد بن عاصم الأنطاكي ، هو قرب الله سبحانه من عباده ، بيانه { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] وقال ابن عطاء : أقسم بقوّة قلب حبيبه محمّد صلى الله عليه وسلم حيث حمل الخطاب ، ولم يؤثر ذلك فيه لعلوّ حاله . { وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } الشريف ، الكريم على الله الكبير ، الخبير .

واختلف العلماء في جواب هذا القسم ، فقال أهل الكوفة : { بَلْ عَجِبُواْ } ، وقال الأخفش : جوابه محذوف مجازه { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } لتبعثن ، وقال ابن كيسان : جوابه قوله : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } الآية ، وقيل : قد علمنا ، وجوابات القسم سبعة : { إِنَّ } الشديدة ، كقوله :

{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] و ( ما ) النفي كقوله :

{ وَالضُّحَى . . . مَا وَدَّعَكَ } [ الضحى : 1-3 ] و ( اللام ) المفتوحة ، كقوله :

{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] و ( إنْ ) الخفيفة كقوله سبحانه :

{ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي } [ الشعراء : 97 ] ، و ( لا ) كقوله :

{ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } [ الأنعام : 109 ] ، لا يبعث الله من يموت ، وقد كقوله :

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [ الشمس : 91 ] وبل كقوله : { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }