مكية كلها في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . قال ابن عباس وقتادة : إلا آية ، وهي قوله تعالى : " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب " [ ق : 38 ] . وفي صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : لقد كان تَنُّورُنا وتَنُّورُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين - أو سنة وبعض سنة - وما أخذت " ق والقرآن المجيد " إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر ؟ فقال : كان يقرأ فيهما ب " ق والقرآن المجيد " و " اقتربت الساعة وانشق القمر " . وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب " ق والقرآن المجيد " وكانت صلاته بعد تخفيفا .
قوله تعالى : " ق والقرآن المجيد " قرأ العامة " قاف " بالجزم . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم " قاف " بكسر الفاء ؛ لأن الكسر أخو الجزم ، فلما سكن آخره حركوه بحركة الخفض . وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء حركه إلى أخف الحركات . وقرأ هارون ومحمد بن السميقع " قاف " بالضم ؛ لأنه في غالب الأمر حركة البناء نحو منذ وقد وقبل وبعد . واختلف في معنى " قاف " ما هو ؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء أخضرت السماء منه ، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مَقْبِيَةٌ ، وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل . ورواه أبو الجوزاء عن عبدالله بن عباس . قال الفراء : كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في " ق " ؛ لأنه اسم وليس بهجاء . قال : ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه ، كقول القائل :
أي أنا واقفة . وهذا وجه حسن وقد تقدم أول " البقرة " {[14141]} . وقال وهب : أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالا صغارا ، فقال له : ما أنت ؟ قال : أنا قاف ، قال : فما هذه الجبال حولك ؟ قال : هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي ، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك ، فتزلزلت تلك الأرض ، فقال له : يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله ، قال : إن شأن ربنا لعظيم ، وإن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم به بعضها بعضا ، لولا هي لاحترقت من حر جهنم . فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها ، وأين هي من الأرض{[14142]} . قال : زدني ، قال : إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله ترعد فرائصه ، يخلق الله من كل رعدة مائة ألف ملك ، فأولئك الملائكة وقوف بين يدي الله تعالى منكسو رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إلا الله ، وهو قوله تعالى : " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا " {[14143]} [ النبأ : 38 ] يعني قوله : لا إله إلا الله .
وقال الزجاج : قوله " ق " أي قضي الأمر ، كما قيل في " حم " أي حم الأمر . وقال ابن عباس : " ق " اسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وعنه أيضا : أنه اسم من أسماء القرآن . وهو قول قتادة . وقال القرظي : افتتاح أسماء الله تعالى قدير وقاهر وقريب وقاض وقابض . وقال الشعبي : فاتحة السورة . وقال أبو بكر الوراق : معناه قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما . وقال محمد بن عاصم الأنطاكي : هو قرب الله من عباده ، بيانه " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " [ ق : 16 ] وقال ابن عطاء : أقسم الله بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث حمل الخطاب ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله .
قوله تعالى : " والقرآن المجيد " أي الرفيع القدر . وقيل : الكريم ، قاله الحسن . وقيل : الكثير ، مأخوذ من كثرة القدر والمنزلة لا من كثرة العدد ، من قولهم : كثير فلان في النفوس ، ومنه قول العرب في المثل السائر : " كل شجر نار ، واستمجد المَرْخُ والعَفَار{[14144]} " . أي استكثر هذان النوعان من النار فزادا على سائر الشجر ، قاله ابن بحر . وجواب القسم قيل هو : " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " على إرادة اللام ، أي لقد علمنا . وقيل : هو " إن في ذلك لذكرى " وهو اختيار الترمذي محمد بن علي قال : " ق " قسم باسم هو أعظم الأسماء التي خرجت إلى العباد وهو القدرة ، وأقسم أيضا بالقرآن المجيد ، ثم اقتص ما خرج من القدرة من خلق السموات والأرضين وأرزاق العباد ، وخلق الآدميين ، وصفة يوم القيامة والجنة والنار ، ثم قال : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب " [ ق : 37 ] فوقع القسم على هذه الكلمة كأنه قال : " ق " أي بالقدرة والقرآن المجيد أقسمت أن فيما اقتصصت في هذه السورة " لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " [ ق : 37 ] . وقال ابن كيسان : جوابه " ما يلفظ من قول " . وقال أهل الكوفة : جواب هذا القسم " بل عجبوا " . وقال الأخفش : جوابه محذوف كأنه قال : " ق والقرآن المجيد " لتبعثن ، يدل عليه " أئذا متنا وكنا ترابا " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.