المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

5- ما قطعتم - أيها المسلمون - من نخلة أو تركتموها باقية على ما كان عليه فبأمر الله . لا حرج عليكم فيه ، ليعز المؤمنين ، وليهين الفاسقين المنحرفين عن شرائعه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل ؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : " حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع البويرة " ، فنزلت : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } ، أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله . { وليخزي الفاسقين } واختلفوا في اللينة ، فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة ، وهو قول عكرمة وقتادة ، ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة " وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر : الألوان ، واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية . وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل . وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائماً هو لمن غلب عليها ، فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم ساق - سبحانه - ما يغرس الطمأنينة فى قلوب المؤمنين ، الذين اشتركوا فى تخريب ديار بنى النضير ، وفى قطع نخيلهم ، فقال - تعالى - : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } .

و " ما " شرطية فى موضع نصب ، بقوله : { قَطَعْتُمْ } وقوله : { مِّن لِّينَةٍ } بيان لها . .

وقوله : { فَبِإِذْنِ الله } جزاء الشرط . واللام فى قوله - تعالى - : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلقة بمحذوف .

واللينةواحدة اللين ، وهو النخل كله ، أو كرام النخل فقط .

قال الآلوسى ما ملخصه : اللينة هى النخلة مطلقا . . . وهى فعلة من اللَّونِ ، وياؤها مقلوبة عن واو لكسر ما قبلها - فأصل لِينَة : لِوْنَة . .

وقيل : اللينة : النخلة مطلقا . . . وقيل : هى النخلة القصيرة ، وقيل : الكريمة من النخل . . ويمكن أن يقال : أراد باللينة النخلة الكريمة .

وقد ذكروا فى سبب نزول الآية روايات منها : أن المسلمين عندما أخذوا فى تقطيع نخيل اليهود ، قال اليهود للنبى - صلى الله عليه وسلم - : ( يا محمد إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع النخيل ؟ )فأنزل الله هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين بعد أن قطعوا بعض النخيل ، ظنوا أنهم قد أخطأوا فى ذلك ، فقالوا : لنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين نهى بعضهم بعضا عن قطع النخيل ، وقالوا إنما هى مغانم للمسلمين ، فنزلت هذه الآية ؛ لتصديق من نهى عن القطع ، وتحليل من قطع من الإثم .

والمعنى : لا تختلفوا - ايها المؤمنون - فى شأن ما فعلتموه بنخيل بنى النضير ، فإن ذلك قطع شيئا من هذه النخيل لا إثم عليه ، والذى لم يقطع لا إثم عليه - أيضا - لأن كلا الأمرين بإذن الله - تعالى - ورضاه ، وفى كليهما مصلحة لكم .

لأن من قطع يكون قد فعل ما يغيظ العدو ويذله ، ويحمله على الاستسلام والخضوع لأمركم . . .

ومن ترك يكون قد فعل ما يعود بالخير عليكم ، لأن تلك النخيل الباقية ، منفعتها ستئول إليكم .

وقد شرع - سبحانه - لكم كلا الأمرين فى هذا المقام { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } عن أمره ، وهم يهود بنى النضير ، ومن ناصرهم ، وأيدهم ، وسار على طريقتهم فى الخيانة والغدر .

فالآية الكريمة المقصود بها : إدخال المسرة والبهجة فى قلوب المؤمنين ، حتى لا يتأثروا بما حدث منهم بالنسبة لنخيل بنى النضير ، وحتى يتركوا الخلاف فى شأن هذه المسألة ، بعد أن صدر حكم الله - تعالى - فيها ، وهو أن القطع والترك بإذنه ورضاه ، لأن كلا الأمرين يغرس الحسرة فى قلوب الأعداء .

وعبر - سبحانه - باللينة عن النخلة ، لأن لفظ " لينة " أخف لفظا ، وأدخل فى كونها نخلة من كرام النخل .

وقال - سبحانه - : { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا } لتصوير هيئتها وحسنها وأن فروعها قد بقيت قائمة على أصولها ، التى هى جذورها وجذوعها .

قال الآلوسى : وقوله : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلق بمقدر على أنه علة له ، وذلك المقدر عطف على مقدر آخر . أى : ليعز المؤمنين ، وليخزى الفاسقين أى : ليذلهم . . .

والمراد بالفاسقين : أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب . ووضع الظاهر موضع المضمر ، إشعارا بعلة الحكم - أى أن فسقهم هو السبب فى إخزائهم .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية : أن تخريب ديار العدو ، وقطع الأشجار التى يملكها ، وهدم حصونه ومعسكراته . . جائز ما دام فى ذلك مصلحة تعود على المسلمين ، وما دامت هناك حرب بينهم وبين أعدائهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه ، أو تركه كذلك قائما ، وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا :

( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين ) . . واللينة الجيدة من النخل ، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود ، وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك . وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص ، يطمئن القلوب . فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ؛ وأراد فيها ما أراد ، وأنفذ فيها ما قدره ، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة ، وتشفى صدورهم مما حاك فيها ، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد .