المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وليس فيها مدني إلا آية 58 ، 71 ، وعدد آياتها 98 آية ، وقد ابتدأت بالحروف الصوتية ككثير من السور ، وفيها قصة ولادة يحيى بن زكريا عليهما السلام وطلب زكريا الولد بعد أن بلغ من الكبر عتيا مع أن امرأته عاقر ، ولقد ذكر من بعد ذلك قصة السيدة البتول مريم عليها السلام وولادتها للمسيح عليه السلام ثم ذكرت قصة إبراهيم عليه السلام ودعوته إلي الوحدانية ، وطلبه من أبيه أن يهجر عبادة الأوثان ، وما كان بينهما من مجاوبات حول الأوثان وسيطرة الشيطان .

وفيها إشارة إلي الأنبياء من ذرية إبراهيم : إسماعيل وإسحاق ، وذرية إسحاق ، ثم إشارة إلي قصة إدريس عليه السلام وذكر بعد ذلك سبحانه الأخلاف الذين جاءوا بعد النبيين من طائعين وعصاة ، وذكر أن الجنة هي جزاء المؤمنين ، والنار هي جزاء الكافرين ، وأحوال الكافرين في جهنم ، وأشار سبحانه إلي المنحرفين الذين يقولون : إن الله اخذ ولدا .

وقد بين سبحانه منزلة القرآن ، وأنذر الكافرين ، وضرب الأمثال علي هلاك العاصين للأنبياء ، وأشار إلي أنهم لا آثار لهم .

1- حروف صوتية لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف ، ولتنبيههم فيسمعون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ثمان وتسعون آية .

قوله تعالى : { كهيعص } قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وضده ابن عامر ، وحمزة ، وبكسرهما : الكسائي و أبو بكر ، والباقون بفتحهما . ويظهر الدال عند الذال من صاد . ذكر ابن كثير ، و نافع ، و عاصم و يعقوب ، والباقون بالإدغام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو اسم من أسماء الله تعالى . وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن . وقيل : اسم للسورة . وقيل : هو قسم أقسم الله به . ويروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال : الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، وعظيم ، والصاد من صادق . وقال الكلبي : معناه : كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم ببريته ، صادق في وعده .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

المجلد التاسع

تفسير سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد فهذا تفسير لسورة " مريم " أكتبه بعد أن كتبت قبله تفاسير لسورة : البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف ، الأنفال ، التوبة ، يونس ، هود ، يوسف ، الرعد ، إبراهيم ، الحجر ، النحل ، الإسراء ، الكهف . . .

والله –تعالى- أسأل ، أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً لعباده ، وشفيعاً لنا يوم نلقاه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

د . محمد سيد طنطاوي .

تفسير سورة مريم

تعريف بسورة مريم

1- سورة مريم من السور المكية .

قال القرطبي : وهي مكية بالإجماع . وهي تسعون وثماني آيات( {[1]} ) .

وقال ابن كثير : وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة ، من حديث أم سلمة ، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة ، أن جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- قرأ صدر هذه السورة على النجاشي( {[2]} ) .

وكان نزولها بعد سورة فاطر( {[3]} ) .

2- ويبدو أن تسميتها بهذا الاسم كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج الطبراني والديلمي ، من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ولدت لي الليلة جارية . فقال : والليلة أنزلت على سورة مريم .

وجاء فيما روي عن ابن عباس ، تسميتها بسورة " كهيعص " ( {[4]} ) .

وقد تكرر اسم مريم في القرآن ثلاثين مرة ، ولم تذكر امرأة سواها باسمها الصريح .

3- والذي يقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، يراها زاخرة بالحديث عن عدد من الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- .

فقد افتتحت بالحديث عن تلك الدعوات التي تضرع بها زكريا إلى ربه ، لكي يهب له وليا ، يرثه ويرث من آل يعقوب .

وقد استجاب الله –تعالى- دعاء زكريا ، فوهبه يحيى كما قال –تعالى- : [ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ] .

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن قصة مريم ، بصورة فيها شيء من التفصيل ، فذكرت اعتزالها لقومها ومجيء جبريل إليها وما دار بينه وبينها من محاورات ، ومولدها لعيسى وإتيانها به قومها ، وما دار بينها وبينهم في شأنه . ثم ختمت هذه القصة بالقول الحق في شأن عيسى ، قال –تعالى- : [ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ] .

5- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن طرف من قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ، وختمت حديثها عن الرسل الكرام بقوله –تعالى- : [ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ، وممن حملنا مع نوح . ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل . وممن هدينا واجتبينا ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا ] .

6- ثم حكت السورة الكريمة أنماطاً من الشبهات التي تفوه بها الضالون ، ومن هذه الشبهات ما يتعلق بالبعث والنشور ، ومنها ما يتعلق بموقفهم من القرآن الكريم ومنها ما يتعلق بزعمهم أن الله ولداً . . . وقد ردت على كل شبهة من هذه الشبهات بما يبطلها ، ويخرس ألسنة قائليها .

ومن ذلك قوله –تعالى- : [ ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا* أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ] .

وقوله –سبحانه- : [ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً . أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا . كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا . ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً ] .

وقوله –عز وجل- : [ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئاً إدا . تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا . وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ] .

7- ومن هذا العرض الإجمالي لآيات السورة الكريمة ، يتبين لنا أن سورة مريم قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- بإقامة الأدلة على أن البعث حق ، وعلى أن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة .

كما زخرت السورة بالحديث عن قصص بعض الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- تارة بشيء من التفصيل كما في قصة زكريا وعيسى ابن مريم ، وتارة بشيء من الاختصار والتركيز كما في قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس .

كما نراها بوضوح تحكي شبهات المشركين . ثم ترد عليها بما يبطلها . . .

وقد ساقت السورة ما ساقت من قضايا ، بأسلوب عاطفي بديع ، يهيج المشاعر نحو الخير والحق والفضيلة ، وينفر من الشر والباطل والرذيلة ، ويطلع العقول على نماذج شتى من مظاهر رحمة الله –تعالى- بعباده الصالحين ترى ذلك في مثل قوله –تعالى- : [ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ] .

وفي مثل قوله –سبحانه- : [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ] .

8- قال بعض العلماء ما ملخصه : والظل الغالب في جو السورة هو ظل الرحمة والرضا والاتصال . فهي تبدأ بذكر رحمة ربك لعبده زكريا . ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيراً . ويكثر فيها اسم [ الرحمن ] .

وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية . ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال ، كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته . . .

كذلك تحس أن للسورة إيقاعاً موسيقياً خاصاً ، فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء ، وفيه عمق كألفاظ : رضيا ، سريا ، حفياً ، نجياً . . .

فأما المواضع التي تقتضي الشدة والعنف ، فتجيء فيها الفاصلة مشددة في الغالب ، كألفاظ : ضدّاً ، هدّاً ، إدّاً ، أزّاً( {[5]} ) .

وبعد ؛ فهذا تعريف لسورة مريم ، نرجو أن يكون القارئ له ، قد أخذ صورة مركزة عن أهم المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

سورة ( مريم ) من السور القرآنية التى افتتحت ببعض حروف التهجى .

وقد سبق أن تكلمنا بشىء من التفصيل ، عن آراء العلماء فى المراد بهذه الحروف التى افتتحت بها بعض السور ، وذلك عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . . .

ورجحنا أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - ، هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلامهو من جنس ما تؤلفون به كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله . أو عشر سور من مثله ، بل بسورة واحدة من مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك . . .

فلما عجزوا - وهم أهل الفصاحة والبيان - ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً }


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
[4]:- سورة الجن: الآيتان 1، 2.
[5]:- سورة البقرة: الآيتان 23، 24.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ

القول في تأويل قوله تعالى : { كَهيعَصَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى ذكره : كاف من كهيعص فقال بعضهم : تأويل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبير ، دلّ به عليه ، واستغنى بذكره عن ذكر باقي الاسم . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الاَية كهيعص قال : كبير ، يعني بالكبير : الكاف من كهيعص .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقول كهيعص قال : كاف : كبير .

حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير في كهيعص قال : كاف : كبير .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحم بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .

وقال آخرون : بل الكاف من ذلك حرف من حروف اسمه الذي هو كاف . ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، في قوله كهيعص قال : كاف : كافٍ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : كهيعص قال : كاف : كافٍ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام عن عنبسة ، عن الكلبي مثله .

وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو كريم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير كهيعص قال : كاف من كريم .

وقال الذين فسروا ذلك هذا التفسير الهاء من كهيعص : حرف من حروف اسمه الذي هو هاد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في الهاء من كهيعص : هاد .

حدثنا أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد ، مثله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حُصَين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : ها : هاد .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله كهيعص قال : ها : هاد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن الكلبيّ ، مثله .

واختلفوا في تأويل الياء من ذلك ، فقال بعضهم : هو حرف من حروف اسمه الذي هو يمين . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : «يا » من كهيعص ياء يمين .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حُصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حُصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ياء : يمين .

وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير كهيعص قال : يا : من حكيم .

وقال آخرون : بل هي حرف من قول القائل : يا من يجير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا إبراهيم بن الضريس ، قال : سمعت الربيع بن أنس في قوله كهيعص قال : يا من يجير ولا يجار عليه .

واختلف متأوّلو ذلك كذلك في معنى العين ، فقال بعضهم : هي حرف من حروف اسمه الذي هو عالم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد كهيعص قال : عين من عالم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الكلبي ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا عمرو ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبيه ، في قوله كهيعص قال : عين : من عالم .

وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس كهيعص عين : عزيز .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله كهيعص قال : عين عزيز .

وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله كهيعص قال : عين : عدل .

وقال الذين تأوّلوا ذلك هذا التأويل : الصاد من قوله كهيعص : حرف من حروف اسمه الذي هو صادق . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في كهيعص صاد : صادق .

حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : صاد : صادق .

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، قال : صادق ، يعني الصاد من كهيعص .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد كهيعص قال : صاد صادق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن الكلبي ، قال : صادق .

وقال آخرون : بل هذه الكلمة كلها اسم من أسماء الله تعالى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سالم بن قتيبة ، عن أبي بكر الهُذَليّ ، عن عاتكة ، عن فاطمة ابنة عليّ قالت : كان عليّ يقول : يا كهيعص : اغفر لي .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : كهيعص قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله .

وقال آخرون : كلّ حرف من ذلك اسم من أسماء الله عزّ وجلّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : كهيعص ليس منها حرف إلا وهو اسم .

وقال آخرون : هذه الكلمة اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله كهيعص قال : اسم من أسماء القرآن .

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا نظير القول في الم وسائر فواتح سور القرآن التي افتتحت أوائلها بحروف المعجم ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم . ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني والديلمي ، وابن منده ، وأبو نعيم ، وأبو أحمد الحاكم : عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنه ولدت لي الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم . فكان يكنى أبا مريم ، واشتهر بكنيته . واسمه نذير ، ويظهر أنه أنصاري .

وابن عباس سماها سورة كهيعص ، وكذلك وقعت تسميتها في صحيح البخاري في كتاب التفسير في أكثر النسخ وأصحها . ولم يعدها جلال الدين في الإتقان في عداد السور المسماة باسمين ولعله لم ير الثاني اسما .

وهي مكية عند الجمهور . وعن مقاتل : أن آية السجدة مدنية . ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد .

وذكر السيوطي في الإتقان قولا بأن قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها } الآية مدني ، ولم يعزه لقائل .

وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول ؛ نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه . وكان نزول سورة طه قبل إسلام عمر بن الخطاب كما يؤخذ من قصة إسلامه فيكون نزول هذه السورة أثناء سنة أربع من البعثة مع أن السورة مكية ، وليس أبو مريم هذا معدودا في المسلمين الأولين فلا أحسب الحديث المروي عنه مقبولا .

ووجه التسمية أنها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها . ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت في المدينة .

وعدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة تسعا وتسعين . وفي عدد أهل الشام والكوفة ثمانا وتسعين .

أغراض السورة

ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها ، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران وقداستهم في الخير .

وهل يثبت الخطي إلا وشيجه ثم التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم . والإنحاء على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين وأتوا بفاحش من القول إذ نسبوا لله ولدا ، وأنكر المشركون منهم البعث وأثبت النصارى ولدا لله تعالى .

والتنويه بشأن القرآن في تبشيره ونذارته . وأن الله يسره بكونه عربيا ليسر تلك اللغة .

والإنذار مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال .

واشتملت على كرامة زكريا إذ أجاب الله دعاءه فرزقه ولدا على الكبر وعقر امرأته .

وكرامة مريم بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها ، وهو إرهاص لنبوءة عيسى عليه السلام ، ومثله كلامه في المهد .

والتنويه بإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وإسماعيل ، وإدريس عليه السلام .

ووصف الجنة وأهلها .

وحكاية إنكار المشركين البعث بمقالة أبي بن خلف والعاصي ابن وائل وتبجحهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم .

وإنذار المشركين أن أصنامهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها .

ووعد الرسول النصر على أعدائه .

وذكر ضرب من كفرهم بنسبة الولد لله تعالى .

والتنويه بالقرآن ولملته العربية ، وأنه بشير لأوليائه ونذير بهلاك معانديه كما هلكت قرون قبلهم .

وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمان ست عشرة مرة ، وذكر اسم الرحمة أربع مرات ، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمان . والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } .

ووقع في هذه السورة استطراد بآية { وما نتنزل إلا بأمر ربك } .

{ كهيعص }

حروف هجاء مرسومة بمسمياتها ومقروءة بأسمائها فكأنها كتبت لمن يتهجاها . وقد تقدم القول في مجموع نظائرها . وفي المختار من الأقوال منها في سورة البقرة وكذلك موقعها من الكلام .

والأصل في النطق بهذه الحروف أن يكون كل حرف منها موقوفاً عليه ، لأنّ الأصل فيها أنها تعداد حروف مستقلة أو مختزلة من كلمات .

وقرأ الجمهور جميع أسماء هذه الحروف الخمسة بإخلاص الحركات والسكون بإسكان أواخر أسمائها .

وقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب اسمَ الحرف الثاني وهو { ها } بالإمالة . وفي رواية عن نافع وابن كثير ( ها ) بحركة بين الكسر والفتح . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ( يا ) بالإمالة .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وأبو جعفر بإظهار دَال ( صاد ) . وقرأ الباقون بإدغامه في ذال ذكر { رحمة ربك } [ مريم : 2 ] وإنما لم يمد ( ها ) و ( يا ) مع أنّ القارىء إنما ينطق بأسماء هذه الحروف التي في أوائل السور لا بمسمياتها المكتوبة أشكالُها ، واسمَا هذين الحرفين مختومان بهمزة مخففة للوجه الذي ذكرناه في طالع سورة يونس وهو التخفيف بإزالة الهمزة لأجل السكت .

واعلم أنك إن جريت على غير المختار في معاني فواتح السور ، فأما الأقوال التي جعلت الفواتح كلها متحدة في المراد فالأمر ظاهر ، وأما الأقوال التي خصت بعضها بمعان ، فقيل في معنى { كهيعص } إن حروفها مقتضبة من أسمائه تعالى : الكافي أو الكريم أو الكبير ، والهاء من هادي ، والياء من حكيم أو رحيم ، والعين من العليم أو العظيم ، والصاد من الصادق ، وقيل مجموعها اسم من أسمائه تعالى ، حتى قيل هو الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وقيل اسم من أسماء القرآن ، أي بتسمية جديدة ، وليس في ذلك حديث يعتمد .