{ فانطلقا } أي بعد ما خرجا من السفينة . { حتى إذا لقيا غلاما فقتله } قيل فتل عنقه ، وقيل ضرب برأسه الحائط ، وقيل أضجعه فذبحه والفاء للدلالة على أنه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك : { قال أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس } أي طاهرة من الذنوب ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب " زاكية " والأول أبلغ ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ، ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد أذنبت ذنبا يقتضي قتلها ، أو قتلت نفسا فتقاد بها ، نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ، ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء ، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى في الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء ، لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله : { لقد جئت شيئا نُكراً } أي منكرا ، وقرأ نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر { نُكراً } بضمتين .
{ فانطلقا } في موضع نزولهما من السفينة ، فمرا بغلمان يلعبون ، فعمد الخضر إلى غلام حسن الهيئة وضيء ، فاقتلع رأسه ، ويقال رضه بحجر ، ويقال ذبحه وقال بعض الناس كان الغلام لم يبلغ الحلم ، ولذلك قال موسى { زكية } أي لم تذنب ، وقالت فرقة بل كان بالغاً شاباً ، والعرب تبقي على الشاب اسم الغلام ، ومنه قول ليلى الأخيلية : [ الطويل ]
غلام إذا هز القناة سقاها{[7852]} . . . وهذا في صفة الحجاج ، وفي الخبر أن هذا الغلام ، كان يفسد في الأرض ويقسم لأبويه أنه ما فعل فيقسمان على قسمه ، ويحميانه ممن يطلبه ، وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر ونافع والجمهور «زاكية » ، وقرأ الحسن وعاصم والجحدري «زكية » والمعنى واحد ، وقد ذهب القوم إلى الفرق وليس ببين{[7853]} ، وقوله { بغير نفس } يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس ، وهذا يدل على كبر الغلام وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ، ولا بغير نفس وقرأ الجمهور «نكراً » وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر وشيبة «نكُراً » بضم الكاف واختلف عن نافع ، ومعناه : شيئاً ينكر ، واختلف الناس أيهما أبلغ قوله { إمراً } [ الكهف : 71 ] أو قوله { نكراً } فقالت فرقة هذا قتل بين ، وهناك مترقب ف { نكراً } أبلغ وقالت فرقة هذا قتل واحد ، وذلك قتل جماعة ف { إمراً } [ الكهف : 71 ] أبلغ وعندي أنهما المعنيين ، قوله { إمراً } [ الكهف : 71 ] أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم ، و { نكراً } أبين في الفساد لأن مكروهه قد وقع ونصف القرآن بعد الحروف انتهى إلى النون من قوله { نكراً }{[7854]} .
يدل تفريع قوله : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً } عن اعتذار موسى ، على أن الخضر قبل عذره وانطلقا مصطحبين .
والقول في نظم قوله : { حتى إذا لقيا غلاماً } كالقول في قوله : { حتى إذا ركبا في السفينة } [ الكهف : 71 ] .
وقوله : { فقتله } تعقيب لفعل { لقيا } تأكيداً للمبادرة المفهومة من تقديم الظرف ، فكانت المبادرة بقتل الغلام عند لقائه أسرع من المبادرة بخرق السفينة حين ركوبها .
وكلام موسى في إنكار ذلك جرى على نسق كلامه في إنكار خرق السفينة سوى أنه وصف هذا الفعل بأنه نكُر ، وهو بضمتين : الذي تنكره العقول وتستقبحه ، فهو أشد من الشيء الإمْر ، لأن هذا فساد حاصل والآخر ذريعة فساد كما تقدم . ووصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلام لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنباً فكان زكياً طَاهراً . والزكاء : الزيادة في الخير .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ورويس عن يعقوب { زَاكية } بألف بعد الزاي اسم فاعل من زكا . وقرأ الباقون { زكية } ، وهما بمعنى واحد .
قال ابن عطية : النون من قوله : { نكراً } هي نصف القرآن ، أي نصف حروفه . وقد تقدم أن ذلك مخالف لقول الجمهور : إن نصف القرآن هو حرف التاء من قوله تعالى : { وليتلطف } في هذه السورة ( 19 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.