{ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن } استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم . روي : أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب : يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت . وإنما لم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمي العم أبا في قوله { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } أو لأنه كره ترك الاحتجاب عنهما مخافة أن يصفا لأبنائهما . { ولا نسائهن } يعني نساء المؤمنات . { ولا ما ملكت أيمانهن } من العبيد والإماء ، وقيل من الإماء خاصة وقد مر في سورة " النور " { واتقين الله } فيما أمرتن به . { إن الله كان على كل شيء شهيدا } لا يخفى عليه خافية .
ثم ذكر تعالى الإباحة فيمن سمي من القرابة إذ لا تقضي أحوال البشر إلا مداخلة من ذكر وكثرة ترداده وسلامة نفسه من أمر الغزل لما تتحاماه النفوس من ذوات المحارم ، فمن ذلك الآباء والأولاد والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات ، وقوله : { ولا نسائهن } دخل فيه الأخوات والأمهات وسائر القرابات ومن يتصل من المتصرفات لهن ، هذا قول جماعة من أهل العلم ، ويؤيد قولهم هذه الإضافة المخصصة في قوله { نسائهن } وقال ابن زيد وغيره إنما أراد جميع النساء المؤمنات وتخصيص الإضافة إنما هو في الإيمان ، وقوله تعالى : { ولا ما ملكت أيمانهن } قالت طائفة من الإماء دون العبيد ، وقالت طائفة من العبيد والإماء ، ثم اختلفت هذه الطائفة ، فقالت فرقة : ما ملكت من العبيد دون من ملك سواهن ، وقالت فرقة : بل من جميع العبيد كان في ملكهن أو في ملك غيرهن ، والكاتب إذا كان معه ما يؤدي فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه ، وفعلت ذلك أم سلمة مع مكاتبها نبهان ، ذكره الزهراوي ، وقالت فرقة دخل الأعمام في الآباء ، وقال الشعبي وعكرمة لم يذكرهم لإمكان أن يصفوا لأبنائهم ، وكذلك الخال وكرها أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها ، واختلف المتأولون في المعنى الذي رفع فيه الجناح بهذه الآية فقال قتادة هو الحجاب ، أي أبيح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون حجاب ورؤيتهن ، وقال مجاهد ذلك في رفع الجلباب وإبداء الزينة ، ولما ذكر تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة على جملة وهذا في نهاية البلاغة والإيجاز ، كأنه قال اقتصرن على هذا { واتقين الله } تعالى فيه أن تتعدينه إلى غيره ، ثم توعد تعالى قوله { واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيداً } .
تخصيص من عموم الأمر بالحجاب الذي اقتضاه قوله : { فاسألوهن من وراء حجاب } [ الأحزاب : 53 ] .
وإنما رفع الجناح عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهاً على أنهن مأمورات بالحجاب كما أمر رجال المسلمين بذلك معهن فكان المعنى : لا جناح عليهن ولا عليكم ، كما أن معنى { فاسألوهن من وراء حجاب } أنهن أيضاً يُجِبن من وراء حجاب كما تقدمت الإِشارة إليه يقوله : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } [ الأحزاب : 53 ] .
والظرفية المفادة من حرف { في } مجازية شائعة في مثله ، يقال : لا جناح عليك في كذا ، فهو كالحقيقة فلا تلاحظ فيه الاستعارة ، والمجرور مقدر فيه مضاف تقديره : في رُؤية آبائهن إيَّاهُن ، وإنما رجح جانبهن هنا لأنه في معنى الإِذن ، لأن الرجال مأمورون بالاستئذان كما اقتضته آية سورة النور ، والإِذن يصدر منهن فلذلك رُجّح هنا جانبهن فأضيف الحكم إليهن .
والنساء : اسم جمع امرأة لا مفرد له من لفظه في كلامهم ، وهن الإِناث البالغات أو المراهقات .
والمراد ب { نسائهن } جميع النساء ، فإضافته إلى ضمير الأزواج اعتبار بالغالب لأن الغالب أن تكون النساء اللاتي يدخلن على أمهات المؤمنين نساء اعتدن أن يدخلن عليهن ، والمراد جميع النساء .
ولم يذكر من أصناف الأقرباء الأعمام ولا الأخوال لأن ذكر أبناء الإِخوان وأبناء الأخوات يقتضي اتحاد الحكم ، من أنه لما رفِع الحرج عنهن فيمن هن عمات لهن أو خالات كان رفع الحرج عنهن في الأعمام والأخوال كذلك ، وأما قرابة الرضاعة فمعلومة من السنة ، فأريد الاختصار هنا إذ المقصود التنبيه على تحقيق الحجاب ليفضي إلى قوله : { واتقين الله } .
والتفت من الغيبة إلى خطابهن في قوله : { واتقين الله } لتشريف نساء النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الخطاب الإِلهي إليهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.