الآية 55 وقوله تعالى : { لا جناح عليهن في آبائهن } أي لا حرج ، ولا مأثم ، على النساء في دخول من ذكر عليهن بلا إذن ولا حجاب من { آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن } ذكر هؤلاء ، ولم يذكر الأعمام ولا الأخوال . فقال بعضهم : إنما لم يذكر هؤلاء ، ولم يبح لهم في ذلك لأنهن يحللن بالنكاح لأولاد الأعمام والأخوال ؛ فإذا دخلوا عليهن ، فرأوهن متجردات متزينات ، فيصفوهن لأولادهم ، وقد يصف الرجل لولده حسن المرأة وقبحها ، فينزل وصفه إياهن لأولاده منزلة رؤيتهن( {[16785]} ) بأنفسهم ، فيزيد لهم رغبة فيهن أو رغبة( {[16786]} ) عنهن ، والله أعلم .
وقال بعضهم : إنما لم يذكر الأعمام والأخوال لما في ذكر المذكور من بني الإخوة وبني الأخوات غنى عن ذكر الأعمام والأخوال لأنهم جميعا من جنس واحد ومن نوع واحد في معنى واحد .
وقد يكتفي بذكر( {[16787]} ) طرف من الجنس ، إذا كان في معنى المذكور ، نحو ما ذكر من أجناس المحرمات على الإبلاغ ، وترك من كل جنس شيئا لم يذكره ؛ إذ الذي لم يذكره في معنى المذكور .
ففي ذكر من ذكر غنى عن الذي لم يذكر . فعلى ذلك في ذكر بني الإخوة وبني الأخوات غنى عن ذكر الأعمام والأخوال إذ هم في معناهم ، والله أعلم .
وجائز أن يكون لم يبح الدخول للأعمام والأخوال لأنهم إذا دخلوا عليهن ، فرأوهن متجردات ، فلعل بصرهم ، يقع على فروجهن ، فينظر إليها بشهوة ، فيحرمن على أولادهم ، وهم إذا تزوجوهن ، لم يعلموا أنهن محرمات عليهم ، فمنع دخول الأعمام والأخوال عليهن لذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولا نسائهن } قال بعضهم : أي النساء( {[16788]} ) المسلمات ؛ يقول : خص النساء( {[16789]} ) المسلمات ، وأباح لهن الدخول عليهن بلا إذن وأن يرينهن متزينات ، ولم يبح ذلك لليهوديات والنصرانيات وأمثالهن مخافة أن يصفن ذلك لأهل دينهن ، فيكون ذلك سبب افتتانهم بهن والرغبة بهن ، والله أعلم .
وقال بعضهم : { ولا نسائهن } نساؤهن قراباتهن ، خص هؤلاء من بين غيرهن من الأجنبيات . وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : ما ذكرنا من خوف الأجنبيات لأزواجهن والمتصلين بهن من حسنهن وزينتهن إذا رأينهن متجردات متزينات ، ولا يخاف ذلك من قراباتهن .
والثاني : خص القرابات لما بهن ابتلاء ، وليس بالأجنبيات ذلك . وقد يخفف الحكم ربما في ما فيه الابتلاء ، ويغلظ في ما هو أخف منه أو دونه( {[16790]} ) ، إذا لم يكن فيه ابتلاء .
وعلى ذلك جائز أن يقال : إن الأعمام والأخوال لم يذكرهم( {[16791]} ) في الآية ، والرخصة لأنه ليس بهم ابتلاء ، وبمن ذكر ابتلاء ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولا ما ملكت أيمانهن } يحتمل الإماء خاصة كقوله : { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 5 و6 ، والمعارج 29 و30 } لم يفهموا منه سوى الإماء .
فعلى ذلك جائز أن يكون المفهوم من( {[16792]} ) قوله : { ولا ما ملكت أيمانهن } الإماء .
ويحتمل الإماء والعبيد جميعا . فإن كان على الإماء والعبيد جميعا ، فذلك ، والله أعلم ، لأنه( {[16793]} ) أباح الدخول للعبيد على مولياتهم بلا إذن ، لأنهم إنما يدخلون عليهن عند حاجتهن إليهم في أوقات معلومة ، وهن في تلك الأوقات ، يكن متأهبات لدخولهم عليهن محتجبات عنهم .
وعلى ذلك يخرج ما روي أن مكاتبا لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، كان يدخل عليها . فلما أدى ، فعتق ، منعته من الدخول عليها ، وهو لما ذكرنا أنه كان يدخل عليها لوقت حاجتها إليه ، وهي كانت متأهبة لدخوله عليها . إلا لا يحتمل أن يدخل عليها ، ويراها متجردة أو متزينة بعد ما أمرن بالاحتجاب .
فعلى ذلك العبيد ، لا يحل لهم النظر إلى مولياتهم ، ولا يكونون محرما لهن . وإن احتملت( {[16794]} ) الآية العبيد فهم بالإذن يدخلون لا بغير إذن ، فيكون الإذن مضمرا فيه .
ثم قوله( {[16795]} ) تعالى : { واتقين الله } في ما ذكر من إباحة دخول من لم يبح [ دخوله عليكن والنظر إليكن ]( {[16796]} ) { إن الله كان على كل شيء شهيدا } . هذا تحذير ووعيد لهن ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.