فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه فقال : { لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ } فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على غيرهن من النساء الاحتجاب منهم في رؤية وكلام ، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وقال الزجاج : العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية وهذا ضعيف جدا ، فإن تجويز وصف المرأة لمن تحل له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها لا سيما أبناء الإخوة وأبناء الأخوات ، واللازم باطل فالملزوم مثله وهكذا يستلزم أن لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها لأنهن يصفنها ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، وهكذا لا وجه لما قاله الشعبي وعكرمة من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها ، والأولى أن يقال : إنه سبحانه اقتصر ههنا أن تضع على بعض من ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدم .

{ وَلا نِسَائِهِنَّ } هذه الإضافة تقتضي أن يكون بالنساء المؤمنات لأن الكافرات غير مأمونات على العورات ، والنساء كلهن عورة ، فيجب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاب عنهن كما يجب على سائر المسلمات أي ما عدا ما يبدوا عند المهنة أما هو فلا يجب المسلمات حجبه وستره عن الكافرات ولهذا قيل : هو خاص ، أي لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل عام في المسلمات والكتابيات .

{ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبيد والإماء أن يروهن ويكلموهن من غير حجاب وقيل : الإماء خاصة ، ومن لم يبلغ من العبيد والخلاف في ذلك معروف ، وقد تقدم في سورة النور ما فيه كفاية ، ثم أمر سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر ونقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب ، وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل :

{ وَاتَّقِينَ اللهَ } في كل الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا من الاحتجاب أي أن يراكن أحد غير هؤلاء . قال ابن عباس : في الآية أنزلت هذه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

{ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } من أعمال العباد { شَهِيدًا } لم يغب عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان فهو مجاز للمحسنين بإحسانه وللمسيء بإساءته ، والشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح .