محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

ثم بين تعالى من لا يجب الاحتجاب منهم من الأقارب ، بقوله :

{ لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ } أي لا حرج ولا إثم عليهن ، في أن لا يحتجبن من هؤلاء المسمين .

قال الطبري {[6219]} : وعني ب { إِخْوَانِهِنَّ وأَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ } إخوتهن . وأبناء إخوتهن . وخرج معهم جمع ذلك ، مخرج جمع فتى إذا جمع ( فتيان ) فكذلك جمع أخ إذا جمع ( إخوان ) وأما إذا جمع إخوة فذلك نظير جمع فتى إذا جمع ( فتية ) .

تنبيهات :

الأول – قيل : إنما لم يذكر العم والخال ، لأنهما بمنزلة الوالدين . ولذلك سمى العم أبا في قوله تعالى {[6220]} : { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } أو لأنه اكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الإخوة ، وأبناء الأخوات . فإن مناط عدم لزوم الاحتجاب بينهن وبين الفريقين ، عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة . لما أنهن عمات لأبناء الإخوة ، وخالات لأبناء الأخوات . وقيل : لأنه كره ترك الاحتجاب منهما ، مخافة أن يصافهن لأبنائهما .

وهو رأي عكرمة والشعبي . كما أخرجه الطبري {[6221]} من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة والشعبي أنه قال لهما : ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قالا : لأنهما ينعتانها لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها .

قال الشهاب : لكنه قيل عليه . إن هذه العلة ، وهو احتمال أن يصفا لأبنائهما وهما يجوز لهما التزوج بها ، جار في النساء كلهن ، ممن لم يكن أمهات محارم . فينبغي التعويل على الأول . انتهى .

والتحقيق في رده ما رواه البخاري {[6222]} في التفسير من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس ، بعد ما أنزل الحجاب ، فقلت : لا آذن له حتى أستأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم . فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني ، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس . فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ، فقلت له : يا رسول الله ! إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن . فأبيت أن آذن حتى أستأذنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما منعك أن تأذني ؟ عمك . قلت : يا رسول الله ! إن الرجل ليس هو أرضعني ، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس ، فقال : ائذني له فإنه عمك ، تربت يمينك .

قال عروة : فلذلك كانت عائشة تقول : حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب ) انتهى فبقوله صلى الله عليه وسلم {[6223]} ( ائذني له فإنه عمك ) مع قوله في الحديث الآخر {[6224]} ( العم صنو الأب ) يرد على عكرمة والشعبي .

الثاني – قيل : أريد بقوله تعالى : { ولا نسائهن } المسلمات ، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات . وإنما قال { ولا نسائهن } لأنهن من أجناسهن .

الثالث – استدل بعموم قوله تعالى : { وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من ذهب إلى أن عبد المرأة محرم لها . وذهب قوم إلى أنه كالأجانب . والآية مخصوصة بالإماء دون العبيد ، وتقدم تفصيل ذلك في سورة النور .

الرابع – قال السيوطي في ( الإكليل ) : استدل الحسن والحسين بعدم ذكر أبناء العمومة فيها ، على تحريم نظرهما إليهن . فكانا لا يدخلان عليهن { وَاتَّقِينَ اللَّهَ } أي أن تتعدين ما حد لكن فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أو تتركن الحجاب فيراكن أحد غير هؤلاء وقال الرازي : أي واتقينه عند المماليك . قال ، ففيه دليل على أن التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور . وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } أي فهو شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن وترككن الحجاب لمن أبيح لكن تركه ، وغير ذلك من أموركن ، فاحذرن أن تلقينه . وهو شاهد عليكن بمعصيته وخلاف أمره ونهيه فتهلكن . قال الرازي : هذا التذييل في غاية الحسن في هذا الموضع ، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم فقال : إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملتكم بشهادة الله تعالى فاتقوا . انتهى .


[6219]:انظر الصفحة رقم 42 من الجزء الثاني والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6220]:(2 / البقرة / 133).
[6221]:انظر الصفحة رقم 42 من الجزء الثاني والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6222]:أخرجه في: 65 – كتاب التفسير، 33 سورة الأحزاب، 9 – باب قوله: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه}، حديث 1283.
[6223]:أخرجه البخاري في: 65 – كتاب التفسير، 33 – سورة الأحزاب، 9 – باب قوله: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه}، حديث رقم 1283. وأخرجه مسلم في: 17 – كتاب الرضاع، حديث 3 – 6 (طبعتنا).
[6224]:أخرجه مسلم في: 12 – كتاب الزكاة، حديث رقم 11 (طبعتنا).