فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه ، فقال : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءَابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن } فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهنّ من النساء الاحتجاب منهم ، ولم يذكر العمّ والخال ؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين . وقال الزجاج : العمّ والخال ربما يصفان المرأة لولديهما ، فإن المرأة تحلّ لابن العمّ وابن الخال فكره لهما الرؤية ، وهذا ضعيف جدّاً ، فإن تجويز وصف المرأة لمن تحلّ له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها ، لاسيما أبناء الإخوة ، وأبناء الأخوات . واللازم باطل ، فالملزوم مثله ، وهكذا يستلزم أن لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها ؛ لأنهنّ يصفنها ، واللازم باطل فالملزوم مثله . وهكذا لا وجه لما قاله الشعبي وعكرمة من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها ، والأولى أن يقال : إنه سبحانه اقتصر هاهنا على بعض ما ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدّم { وَلاَ نِسَائِهِنَّ } هذه الإضافة تقتضي أن يكون المراد بالنساء المؤمنات ؛ لأن الكافرات غير مأمونات على العورات ، والنساء كلهنّ عورة { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبيد والإماء ، وقيل : الإماء خاصة ، ومن لم يبلغ من العبيد ، والخلاف في ذلك معروف .

وقد تقدّم في سورة النور ما فيه كفاية . ثم أمرهنّ سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر كله ، والمعنى : { اتقين } الله في كل الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا { إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْء شَهِيداً } لم يغب عنه شيء من الأشياء كائناً ما كان ، فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته .

/خ55