قال أبو معشر المديني{[13596]} عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء . فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . فقال : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله : { مجرمين } وإن رجليه لتنسفان{[13597]} الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس{[13598]} ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء ، أرغبَ بطونا ، ولا أكذبَ ألسنًا ، ولا أجبن عند اللقاء . فقال رجل في المسجد : كذبتَ ، ولكنك منافق . لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن . قال عبد الله بن عمر : وأنا رأيته متعلقا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه{[13599]} الحجارة{[13600]} وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
وقد رواه الليث ، عن هشام بن سعد ، بنحو من هذا{[13601]}
وقال ابن إسحاق : وقد كان جماعة من المنافقين منهم وَديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد ، من بني عمرو بن عوف ، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : مُخَشّن{[13602]} بن حُميّر يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جِلادَ بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غدا مُقَرّنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مُخَشّن{[13603]}
بن حُمَيّر : والله لوددتُ أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وإما نَنْفَلتُ أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني- لعمار بن ياسر : " أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا " . فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته ، فجعل يقول وهو آخذ بحَقَبها : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، [ فأنزل الله ، عز وجل : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ] {[13604]} فقال مُخَشّن{[13605]} بن حُمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي . فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مُخَشّن{[13606]} بن حُمّير ، فتسمى{[13607]} عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتل{[13608]} شهيدا لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر{[13609]} وقال قتادة : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } قال : فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها . هيهات هيهات . فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ، فقال : " عَليَّ بهؤلاء النفر " . فدعاهم ، فقال : " قلتم كذا وكذا " . فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب .
وقال عِكْرِمة في تفسير هذه الآية : كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : اللهم ، إني أسمع آية أنا أعنَى بها ، تقشعر منها الجلود ، وتجيب منها القلوب ، اللهم ، فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسّلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت ، قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره{[13610]}
الظاهر أنّها معطوفة على جملة : { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } [ التوبة : 62 ] أو على جملة { ومنهم الذين يؤذون النبي } [ التوبة : 61 ] ، فيكون المراد بجملة : { يحلفون بالله لكم } [ التوبة : 62 ] أنّهم يحلفون إن لم تسألهم . فالحلف الصادر منهم حلف على الأعمّ من براءتهم من النفاق والطعن ، وجواب السؤال عن أمور خاصّة يُتهمون بها جواب يراد منه أنّ ما صدر منهم ليس من جنس ما يُتّهمون به ، فإذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يستراب منهم أجابوا بأنّه خوض ولعب ، يريدون أنّه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكادُّ عملاً شاقّاً من الراحة بالمزح واللعب . وروي أنّ المقصود من هذه الآية : أنّ ركباً من المنافقين الذين خرجوا في غزوة تبوك نفاقاً ، منهم : وديعةُ بن ثابت العَوْفي ، ومخشي بن حُمَيِّر الأشجعي ، حليف بني سَلِمة ، وقفوا على عَقَبَة في الطريق ينظرون جيش المسلمين فقالوا انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح حصون الشام هيهات هيهات فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن مناجاتهم فأجابوا « إنّما كنّا نخوض ونلعب » .
وعندي أنّ هذا لا يتّجه لأنّ صيغة الشرط مستقبلة فالآية نزلت فيما هو أعمّ ، ممّا يسألون عنه في المستقبل ، إخباراً بما سيجيبون ، فهم يسألون عمّا يتحدّثون في مجالسهم ونواديهم ، التي ذكرها الله تعالى في قوله : { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [ البقرة : 14 ] لأنّهم كانوا كثيري الإنفراد عن مجالس المسلمين . وحذف متعلّق السؤال لظهوره من قرينة قوله : { إنما كنا نخوض ونلعب } . والتقدير : ولئن سألتهم عن حديثهم في خلواتهم ، أعلم الله رسوله بذلك وفيه شيء من دلائل النبوءة . ويجوز أن تكون الآية قد نزلت قبل أن يسألهم الرسول ، وأنّه لمَّا سألهم بعدها أجابوا بما أخبرت به الآية .
والقصر للتعيين : أي ما تحدثْنا إلاّ في خوض ولعب دون ما ظننته بنا من الطعن والأذى .
والخوض : تقدّم في قوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } في سورة الأنعام ( 68 ) .
واللعب تقدّم في قوله : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } في الأنعام ( 32 ) ، ولمّا كان اللعب يشمل الاستهزاء بالغير جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله : كنتم تستهزءون } فلمّا كان اعتذارهم مبهماً ردّ عليهم ذلك إذ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به فقال لهم { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } ، على نحو قوله تعالى : { فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة } [ الإسراء : 51 ] .
والاستفهام إنكاري توبيخي . وتقديم المعمول وهو { أبالله } على فعله العامل فيه لقصد قصر التعيين لأنّهم لما أتوا في اعتذارهم بصيغة قصر تعيين جيء في الردّ عليهم بصيغة قصر تعيين لإبطال مغالطتهم في الجواب ، فاعلمهم بأنّ لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلاّ استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك ، فقصْر الاستهزاء على تعلّقه بمن ذكر اقتضى أنّ الاستهزاء واقع لا محالة لأنّ القصر قيد في الخبر الفعلي ، فيقتضي وقوعَ الفعل ، على ما قرّره عبد القاهر في معنى القصر الواقع في قول القائل : أنَا سعيتُ في حاجتك وأنّه يؤكّد بنحو : وحدي ، أوْ لا غيري ، وأنّه يقتضي وقوع الفعل فلا يقال : ما أنا قلت هذا ولا غيري ، أي ولا يقال : أنا سعيت في حاجتك وغيري ، وكذلك هنا لا يصحّ أن يفهم أبالله كنتم تستهزِئون أم لَمْ تكونوا مستهزئين .
والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم : لأنّهم استهزأوا برسوله وبدينه ، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب، ليقولنّ لك: إنما قلنا ذلك لعبا، وكنا نخوض في حديث لعبا وهزوا. يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون...
عن زيد بن أسلم: أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقرّائنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فقال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة، يقول: إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أبا للّهِ وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ما يزيده...
عن قتادة، قوله:"وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..." قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناس من المنافقين، فقال: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «احْبِسُوا عَليّ هَؤلاءِ الرّكْبَ» فأتاهم فقال: «قُلْتُمْ كَذَا؟ قُلْتُمْ كَذَا؟» قالوا: يا نبيّ الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تبارك وتعالى فيها ما تسمعون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) ذكر السؤال، ولم يبين عم يسألهم، ولكن في الجواب بيان أن السؤال إنما كان على الاستهزاء حين قال: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)... ذكر بعض أهل التأويل أن النبي لما رجع من غزوة تبوك، بينا هو يسير إذا هو برهط يسيرون بين يديه، يضحكون ويستهزئون به فأطلع الله رسوله أنهم يستهزئون بالله وكتابه ورسوله فقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وقيل بغير ذلك... وليس لنا إلى معرفة كيفية استهزائهم حاجة ولا ماهيته سوى في أن ما ذكر لنا من خبر المنافقين تنبيها للمؤمنين وتحذيرا لهم ليحذروا إسرار ما لم يظهروا على ألسنتهم ليعلموا أن الله مطلع على ما يسرون ويضمرون.
وقوله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) قوله: (أبالله) تحتمل الإضافة إلى نفسه إضافة إلى نفس المؤمنين لأنه لا أحد يقصد قصد الاستهزاء بالله ولكنهم كانوا يستهزئون بالأحكام، فأضاف الاستهزاء إلى الآيات كقوله: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزؤا) [البقرة: 231] هم لم يتخذوا آيات الله هزوا ولكن هزئوا بالأحكام التي لها آيات. أضاف الهزء إلى آياته. ومن استخف بحكم من الأحكام التي لها آيات كان ذلك استخفافا بآياته، والله أعلم...
آراء ابن حزم الظاهري في التفسير 456 هـ :
من السؤالات سؤالات لا يستحل سماعها، ولا يحل النطق بها، ولا يحل الجلوس حيث يلفظ بها، وهي كل ما فيها كفر بالباري عز وجل، أو استخفاف به، أو بنبي من أنبيائه، أو بملك من ملائكته، أو بآية من آياته. وقد قال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} [النساء: 140]. وقال عز وجل: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 65-66].
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
خاطب الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) فأقسم، لأن اللام لام القسم بأنك يا محمد (صلى الله عليه وآله) إن سألت هؤلاء المنافقين عما تكلموا به "ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب"... فلما سألهم النبي عن ذلك على وجه التأنيب لهم والتقبيح لفعلهم: لم طعنتم في الدين بالباطل والزور؟ فأجابوا بما لا عذر فيه بل هو وبال عليهم: بأنا كنا نخوض ونلعب. والخوض: دخول القدم فيما كان مائعا من الماء أو الطين، هذا في الأصل، ثم كثر حتى صار في كل دخول منه أذى وتلويث. واللعب: فعل ما فيه سقوط المنزلة لتحصيل اللذة من غير مراعاة الحكمة كفعل الصبي، وقالوا: ملاعب الأسنة أي أنه لشجاعته يقدم على الأسنة كفعل الصبي الذي لا يفكر في عاقبة أمره. فقال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): "قل "لهم "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن" قال أبوعلي: ذكر الاستهزاء هاهنا مجاز، لأنه جعل الهزء بالمؤمنين وبآيات الله هزءا بالله، والهزء: إيهام أمر على خلاف ما هو به استصغارا لصاحبه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
مَن استَهانَ بالدِّين، ولم يَحْتَشِمْ مِنْ تَرْكِ حُرْمةِ الإسلام جعله الله في الحال نكالاً، وسامَه في الآخرة صِغَراً وإذلالاً، والحقُّ -سبحانه- لا يرضى دون أن يذيق العُتَاةَ بَأْسَه، ويَسْقِيَ كُلاًّ -على ما يستوجبه- كأسَه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {أبالله وءاياته وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تستهزئون}: لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه، فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم، وبأنه موجود منهم، حتى وبخوا بأخطائهم موقع الاستهزاء، حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير، وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ من ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ؛ فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا خلافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، وَالْهَزْلَ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: نَظَرُوا إلَى قَوْلِهِ: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}...
إنه تعالى حكى عنهم أنهم يستهزئون بالله وآياته ورسوله، ومعلوم أن الاستهزاء بالله محال. فلا بد له من تأويل وفيه وجوه:
الأول: المراد بالاستهزاء بالله هو الاستهزاء بتكاليف الله تعالى.
الثاني: يحتمل أن يكون المراد الاستهزاء بذكر الله، فإن أسماء الله قد يستهزئ الكافر بها كما أن المؤمن يعظمها ويمجدها. قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} فأمر المؤمن بتعظيم اسم الله. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} فلا يمتنع أن يقال: {أبالله} ويراد: أبذكر الله.
الثالث: لعل المنافقين لما قالوا: كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشام وقصورها. قال بعض المسلمين: الله يعينه على ذلك وينصره عليهم، ثم إن بعض الجهال من المنافقين ذكر كلاما مشعرا بالقدح في قدرة الله كما هو عادات الجهال والملاحدة، فكان المراد ذلك.
وأما قوله: {وآياته} فالمراد بها القرآن، وسائر ما يدل على الدين. وقوله: {ورسوله} معلوم، وذلك يدل على أن القوم إنما ذكروا ما ذكروه على سبيل الاستهزاء.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما وصفهم بالنفاق، حققه بعدم مبادرتهم إلى التوبة التي هي فعل المؤمنين، وباجترائهم على الإنكار مع كون السائل لهم مَنْ بلغ الغاية في الجلال والوقار والكمال فقال: {ولئن سألتهم} أي وأنت من يجب أن يصدقه مسؤوله عما أخرجت السورة مما أظهروا بينهم من الكفر، وذلك حين قال بعضهم: انظروا إلى هذا الرجل يظن أنه يفتح قصور الشام وحصونها! هيهات هيهات! فأعلمه الله فقال: احبسوا عليّ الركب. فسألهم {ليقولن إنما} أي ما قلنا شيئاً من ذلك، إنما {كنا نخوض} أي نتحدث على غير نظام {ونلعب} أي بما لا خرج علينا فيه ويحمل عنا ثقل الطريق، فكأنه قيل: فماذا يقال لهم إذا حلفوا على ذلك على العادة؟ فقال: {قل} أي لهم تقريراً على استهزائهم متوعداً لهم معرضاً عما اعتذروا إعلاماً بأنه غير أهل لأن يسمع جاعلاً لهم كأنهم معترفون بالاستهزاء... تكذيباً لهم في قولهم: إنك أذن، بالمعنى الذي أرادوه، وبياناً لما في إظهارك لتصديقهم من الرفق بهم {أبالله} أي هو المحيط بصفات الكمال {وآياته} أي التي لا يمكن تبديلها ولا تخفى على ذي بصر ولا بصيرة {ورسوله} أي الذي عظمته من عظمته وهو مجتهد في إصلاحكم وتشريفكم وإعلائكم {كنتم} أي دائماً {تستهزءون*}...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
... والمعنى: أن الله تعالى نبأ رسوله بما كان يقوله هؤلاء المنافقون في أثناء السير إلى تبوك من الاستهزاء بتصديه لقتال الروم الذين ملأ صيتهم بلاد العرب بما كان تجارهم يرون من عظمة ملكهم في الشام؛ إذ كانوا يرحلون إليها في كل صيف، نبأه نبأ مؤكدا بصيغة القسم أنه إن سألهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها بأنهم لم يكونوا فيها جادين ولا منكرين، بل هازلين لاعبين، كما هو شأن الذين يخوضون في الأحاديث المختلفة للتسلي والتلهي، وكانوا يظنون أن هذا عذر مقبول لجهلهم أن اتخاذ أمور الدين لعبا ولهوا لا يكون إلا ممن اتخذه هزواً، وهو كفر محض، ويغفل عن هذا كثير من الناس يخوضون في القرآن والوعد الوعيد، كما يفعلون إذ يخوضون في أباطيلهم وأمور دنياهم، وفي الرجال الذين يتفكهون بالتنادر عليهم والاستهزاء بهم وإنما يستعمل «الخوض» فيما كان بالباطل لأنه مأخوذ من الخوض في البحر أو في الوحل، فيراد به الإكثار، والتعرض لتقحم الأخطار، وقال تعالى في سورتي الزخرف والمعارج {فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} [الزخرف: 83]، وقال في سورة الطور: {فويل للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون} [الطور: 11، 12]، وقال في سورة النساء: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} [النساء: 140]، وقد بينا في تفسير هذه الآية أن الخطاب فيها لكل من يظهر الإسلام من مؤمن ومنافق، وأنه يدخل في عمومها المبتدعون المحدثون في الدين، والذين يخوضون في الداعين إلى الكتاب والسنة ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما وإيثارهم إياهما على المذاهب المقلدة (راجع ج5 تفسير). وبعد أن نبأ الله تعالى رسوله بما يعتذرون به لقنه ما يرد به عليهم بقوله: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} والمعنى أن الخوض واللعب إذا كان موضوعه صفات الله وأفعاله وشرعه وآياته المنزلة وأفعال رسوله وأخلاقه وسيرته كان ذلك استهزاء بها، لأن الاستهزاء بالشيء عبارة عن الاستخفاف به، وكل ما يلعب به فهو مستخف به، وقد حررنا معنى اللفظ في تفسير ما أسنده تعالى إلى المنافقين من قولهم لشياطينهم: {إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} [البقرة: 14]، أي بقولنا للمؤمنين آمنا كما أن من يحترم شيئا أو شخصا أو يعظمه فإنه لا يجعله موضوع الخوض واللعب. وتقديم معمول فعل الاستهزاء عليه يفيد القصر، والاستفهام عنه للإنكار التوبيخي، والمعنى: ألم تجدوا ما تستهزؤون به في خوضكم ولعبكم إلا الله وآياته ورسوله فقصرتم ذلك عليهما، فهل ضاقت عليكم جميع مذاهب الكلام تخوضون فيها وتعبثون دونهما، ثم تظنون أن هذا عذر مقبول فتدلون به بلا خوف ولا حياء؟
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
... ويدخل في عموم الآية المبتدعون في الدين، والذين يخوضون في الداعين إلى الكتاب والسنة ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما. وقصارى ذلك: ألم تجدوا ما تستهزئون به في خوضكم ولعبكم إلا الله وآياته ورسوله فقصَرْتم ذلك عليهما، فهل ضاقت عليكم سُبُل القول، فلم تجدوا ما تخوضون فيه وتلعبون غير هذا، ثم بعدئذ تظنون أن معاذيركم بمثل هذا تقبل وتُدْلون بها بلا خوف ولا خجل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن النص عام في حذر المنافقين أن ينزل اللّه قرآناً يكشف خبيئتهم، ويتحدث عما في قلوبهم، فينكشف للناس ما يخبئونه. وقد وردت عدة روايات عن حوادث معينة في سبب نزول هذه الآيات... وقال محمد بن إسحاق: وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشي بن حمير يسيرون مع رسول اللّه -[صلى الله عليه وسلم]- وهو منطلق إلى تبوك؛ فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً؟ واللّه لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال.. إرجافاً وترهيباً للمؤمنين. فقال مخشي بن حمير: واللّه لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأننا ننجوا أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول اللّه -[صلى الله عليه وسلم]- فيما بلغني لعمار بن ياسر "أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا "فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول اللّه -[صلى الله عليه وسلم]- يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت، ورسول اللّه -[صلى الله عليه وسلم]- واقف على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول اللّه إنما كنا نخوض ونلعب. فقال مخشي بن حمير: يا رسول اللّه قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشي بن حمير، فتسمى عبد الرحمن، وسأل اللّه أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الظاهر أنّها معطوفة على جملة: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم} [التوبة: 62] أو على جملة {ومنهم الذين يؤذون النبي} [التوبة: 61]، فيكون المراد بجملة: {يحلفون بالله لكم} [التوبة: 62] أنّهم يحلفون إن لم تسألهم. فالحلف الصادر منهم حلف على الأعمّ من براءتهم من النفاق والطعن، وجواب السؤال عن أمور خاصّة يُتهمون بها جواب يراد منه أنّ ما صدر منهم ليس من جنس ما يُتّهمون به، فإذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يستراب منهم أجابوا بأنّه خوض ولعب، يريدون أنّه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكادُّ عملاً شاقّاً من الراحة بالمزح واللعب...
وعندي أنّ هذا لا يتّجه لأنّ صيغة الشرط مستقبلة فالآية نزلت فيما هو أعمّ، ممّا يسألون عنه في المستقبل، إخباراً بما سيجيبون، فهم يسألون عمّا يتحدّثون في مجالسهم ونواديهم، التي ذكرها الله تعالى في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [البقرة: 14] لأنّهم كانوا كثيري الانفراد عن مجالس المسلمين. وحذف متعلّق السؤال لظهوره من قرينة قوله: {إنما كنا نخوض ونلعب}. والتقدير: ولئن سألتهم عن حديثهم في خلواتهم، أعلم الله رسوله بذلك وفيه شيء من دلائل النبوءة. ويجوز أن تكون الآية قد نزلت قبل أن يسألهم الرسول، وأنّه لمَّا سألهم بعدها أجابوا بما أخبرت به الآية.
والقصر للتعيين: أي ما تحدثْنا إلاّ في خوض ولعب دون ما ظننته بنا من الطعن والأذى.
والخوض: تقدّم في قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} في سورة الأنعام (68).
واللعب تقدّم في قوله: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} في الأنعام (32)، ولمّا كان اللعب يشمل الاستهزاء بالغير جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله: كنتم تستهزءون} فلمّا كان اعتذارهم مبهماً ردّ عليهم ذلك إذ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به فقال لهم {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون}، على نحو قوله تعالى: {فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة} [الإسراء: 51].
والاستفهام إنكاري توبيخي. وتقديم المعمول وهو {أبالله} على فعله العامل فيه لقصد قصر التعيين لأنّهم لما أتوا في اعتذارهم بصيغة قصر تعيين جيء في الردّ عليهم بصيغة قصر تعيين لإبطال مغالطتهم في الجواب، فاعلمهم بأنّ لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلاّ استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك، فقصْر الاستهزاء على تعلّقه بمن ذكر اقتضى أنّ الاستهزاء واقع لا محالة لأنّ القصر قيد في الخبر الفعلي، فيقتضي وقوعَ الفعل، على ما قرّره عبد القاهر في معنى القصر الواقع في قول القائل: أنَا سعيتُ في حاجتك وأنّه يؤكّد بنحو: وحدي، أوْ لا غيري، وأنّه يقتضي وقوع الفعل فلا يقال: ما أنا قلت هذا ولا غيري، أي ولا يقال: أنا سعيت في حاجتك وغيري، وكذلك هنا لا يصحّ أن يفهم أبالله كنتم تستهزِئون أم لَمْ تكونوا مستهزئين.
والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم: لأنّهم استهزأوا برسوله وبدينه، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
كان المنافقون في المدينة يثبطون المؤمنين عن الجهاد ببث التخاذل فيهم، ووضع ما يؤدي إلى الفشل والعجز فيما بينهم لا يبالون، ما يمنعهم من غرضهم عشيرة أو جوار، أو أنه إذا نزلت بالمدينة كارثة لا ينجون منها. فكانوا يستهزئون بالمؤمنين في مجالسهم، ويتهكمون عليهم، إذا خرجوا إلى الجهاد حاولوا تثبيطهم عنه ببث روح الفشل، أو بالتهكم اللاذع، واستصغار شأن المؤمنين، ومما جاء في مقالتهم من نفاقهم (أنه بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في غزوة تبوك كان ركب من المنافقين وبعضهم يقول لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم لبعض، والله لكأنا بهم مقرنين في الحبال. قالوا ذلك ترهيبا للمؤمنين، وقال رجل من المنافقين طعنا في المؤمنين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، أكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأقوال، وراجت وشاعت بين المؤمنين، وكانت تشتد شيوعا كلما كان القتال؛ لأنه يلهج ألسنتهم بفساد القول كلما كانت حرب أو شدة لتكون السخرية، ويكون التثبيط. وإذا سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الأقوال أقروا بها، وبمقصدهم منها، وهو العبث، وهذا قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}. والخوض هو الدخول في الماء والانغمار فيه، ثم أطلق على الدخول في الكلام الذي يسمرون به، والقصص من الأساطير، واللعب من الفعل أو القول الذي لا يكون لغاية، بل لمجرد العبث، أو الاستهزاء والسخرية. وقد أكد الله تعالى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ}، بالقسم وفيه اللام الممهدة للقسم، وحذف المفعول؛ لأن أقوالهم كثيرة، وكان جوابهم مؤكدا تبعا لتأكد القسم، فهم أكدوا أنهم كانوا يخوضون ويلعبون، ومعنى ذلك أنهم كانوا يستهزئون، ولذلك أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تستهزئون}. بين الله سبحانه وتعالى خطر استهزائهم بالخوض في الكلام العابث، واللعب الجاحد، بين لهم أن ذلك يتضمن الاستهزاء بالله خالق كل شيء، والآيات التي ترشد العقلاء إلى الحق، والرسول الصادق الأمين الذي قامت الأدلة من القرآن ومن شخصه على الرسالة، فكفروا بالله وكذبوا الآيات. وتقديم: {أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ}، على الفعل يستهزئون فيه إشارة إلى تخصيص هؤلاء بالاستهزاء، فأي ضلال أشد من هذا، وأي كفر وجحود أشد. والاستفهام هنا للاستنكار، إنكار الواقع أي التوبيخ على ما فعلوا. ولهذا الفجور الذي يبدر من ألسنتهم ويدل على قلوبهم، قال الله تعالى: {لا تعتذروا}؛ لأن كل اعتذار يلقون فيه أنفسهم بهاوية من الكفر أشد مما هم فيه، فقال تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة}.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}، ولكن هذا عذرٌ أقبح من ذنب، فهل يمكن أن تكون قضية الرسالة والوحي والرسول والجهاد في سبيل الله، من القضايا التي يخوض الناس فيها كما يخوضون في أحاديث الباطل، أو يتلاعب بها اللاعبون كما لو كانت شيئاً من الهزل الذي لا يمثل قيمةً حقيقيةً في حياة الناس، إنه العذر الذي يؤكد حقيقة الجريمة، بسبب ما يمثله من روحيّةٍ سلبيّةٍ ضد الله والرسول {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزئونَ} من خلال ما يمثله الخوض واللعب من عدم احترام واستهزاءٍ بطريقة غير مباشرة...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إن المنافقين في أي زمان، تجمعهم وحدة الخطط، والضرب على نفس الوتر، لذا فلهم نغمة واحدة، وهم كثيراً ما يستفيدون ويتبعون هذه الطرق، بل إنّهم في بعض الأحيان يطرحون أكثر المسائل جدية لكن بلباس المزاح الساذج البسيط، فإن وصلوا إِلى هدفهم وحققوه فهو، وإِلاّ فإنّهم يفلتون من قبضة العدالة بحجّة المزاح.
غير أنّ القرآن الكريم واجه هؤلاء بكل صرامة، وجابههم بجواب لا مفرّ معه من الإِذعان للواقع، فأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخاطبهم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)، أي إِنّه يسألهم: هل يمكن المزاح والسخرية حتى بالله ورسوله وآيات القرآن؟!
هل إنّ هذه المسائل التي هي أدق الأُمور وأكثرها جدية قابلة للمزاح؟!
هل يمكن إِخفاء قضية تنفير البعير وسقوط النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تلك العقبة الخطيرة، والتي تعني الموت، تحت عنوان ونقاب المزاح؟ أم أنّ السخرية والاستهزاء بالآيات الإِلهية وإِخبار النّبي بالانتصارات المستقبلية من الأُمور التي يمكن أن يشملها عنوان اللعب؟ كل هذه الشواهد تدل على أنّ هؤلاء كان لديهم أهداف خطيرة مستترة خلف هذه الأستار والعناوين.