المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيّٗاۖ قَالَ كَبِيرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (80)

80- فلما انقطع منهم الأمل ، ويئسوا من قبول الرجاء ، اختلوا بأنفسهم يتشاورون في موقفهم من أبيهم ، فلما انتهى الرأي إلى كبيرهم المدبر لشئونهم قال لهم : ما كان ينبغي أن تنسوا عهدكم الموثق بيمين الله لأبيكم أن تحافظوا على أخيكم حتى تردوه إليه ، ولأنكم عاقدتموه من قبل على صيانة يوسف ثم ضيعتموه ، ولذلك سأبقى بمصر لا أفارقها ، إلا إذا فهم أبي الوضع على حقيقته ، وسمح لي بالرجوع إليه ، أو قضى الله لي بالرجوع الكريم ، ويسره لي بسبب من الأسباب ، وهو أعدل الحاكمين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيّٗاۖ قَالَ كَبِيرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (80)

يخبر تعالى عن إخوة يوسف : أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ، الذي قد التزموا لأبيهم برده إليه ، وعاهدوه على ذلك ، فامتنع عليهم ذلك ، { خَلَصُوا } أي : انفردوا عن الناس { نَجِيًّا } يتناجون فيما بينهم .

{ قَالَ كَبِيرُهُمْ } وهو رُوبيل ، وقيل : يهوذا ، وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما همّوا بقتله ، قال لهم : { أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ } لتردنَّه إليه ، فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه ، { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ } أي : لن أفارق هذه البلدة ، { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي } في الرجوع إليه راضيًا عني ، { أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } قيل : بالسيف . وقيل : بأن يمكنني من أخذ أخي ، { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } {[15250]} .

ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع ، حتى يكون عذرا لهم عنده ويتنصلوا إليه ، ويبرءوا مما وقع بقولهم .

وقوله : { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } قال عكرمة وقتادة : ما [ كنا ]{[15251]} نعلم أن ابنك سرق{[15252]} .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما علمنا في الغيب أنه يسرق{[15253]} له شيئا ، إنما سألنا{[15254]} ما جزاء السارق ؟

{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } قيل : المراد مصر . قاله قتادة ، وقيل : غيرها ، { وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي : التي رافقناها ، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا ، { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما أخبرناك به ، من أنه سرق وأخذوه بسرقته .


[15250]:- في ت ، أ : "أحكم الحاكمين" وهو خطأ.
[15251]:- زيادة من ت ، أ.
[15252]:- في ت : "يسرق".
[15253]:- في ت ، أ : "سرق".
[15254]:- في ت ، أ : "سألناه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيّٗاۖ قَالَ كَبِيرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (80)

{ استيأسوا } بمعنى يئسوا فالسين والتاء للتأكيد ، ومثلها { فاستجاب له ربه } [ سورة يوسف : 34 ] { واستعصَم } .

واليأس منه : اليأس من إطلاقه أخاهم ، فهو من تعليق الحكم بالذات . والمراد بعض أحوالها بقرينة المقام للمبالغة .

وقرأ الجمهور { استيأسوا } بتحتية بعد الفوقية وهمزة بعد التحتية على أصل التصريف . وقرأه البزي عن ابن كثير بخلف عنه بألف بعد الفوقية ثم تحتية على اعتبار القلب في المكان ثم إبدال الهمزة .

و { خلصوا } بمعنى اعتزلوا وانفردوا . وأصله من الخلوص وهو الصفاء من الأخلاط . ومنه قول عبد الرحمان بن عوف لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في آخر حجة حجّها حيث عزم عمر رضي الله عنه على أن يخطب في الناس فيحذرهم من قوم يريدون المزاحمة في الخلافة بغير حق ، قال عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه : « يا أمير المؤمنين إن المَوسم يجمع رَعاع الناس فأمهل حتى تقدم المدينة فتخلص بأهل الفقه . . . » إلخ .

والنجيّ : اسم من المناجاة ، وانتصابه على الحال . ولما كان الوصف بالمصدر يلازم الإفراد والتذكير كقوله تعالى : { وإذْ هم نجوى } . والمعنى : انفردوا تناجيا . والتناجي : المحادثة سراً ، أي متناجين .

وجملة { قال كبيرهم } بدل من جملة { خلصوا نجيا } وهو بدل اشتمال ، لأن المناجاة تشتمل على أقوال كثيرة منها قَول كبيرهم هذا ، وكبيرهم هو أكبرهم سناً وهو رُوبين بِكرُ يعقوب عليه السلام .

والاستفهام في { ألم تعلموا } تقريري مستعمل في التذكير بعدم اطمئنان أبيهم بحفظهم لابنه .

وجملة { ومن قبل ما فرطتم } جملة معترضة . و { ما } مصدرية ، أي تفريطكم في يوسف عليه السلام كان من قبل المَوثق ، أي فهو غير مصدقكم فيما تخبرون به من أخذ بنيامين في سرقة الصُّوَاع . وفرع عليه كبيرهم أنه يبقى في مصر ليكون بقاؤه علامة عند يعقوب عليه السلام يعرف بها صدقهم في سبب تخلف بنيامين ، إذ لا يرضى لنفسه أن يبقى غريباً لولا خوفه من أبيه ، ولا يرضى بقية أشقائه أن يكيدوا له كما يكيدون لغير الشقيق .

وقوله : { أو يحكم الله لي } ترديد بين ما رسمه هو لنفسه وبين ما عسى أن يكون الله قد قدره له مما لا قبل له بدفعه ، فحذف متعلّق { يحكم } المجرور بالباء لتنزيل فعل { يحكم } منزلة ما لا يطلب متعلقاً .

واللام للأجل ، أي يحكم الله بما فيه نفعي . والمراد بالحكم التقدير .

وجملة { وهو خير الحاكمين } تذييل . و { خير الحاكمين } إن كان على التعميم فهو الذي حكمه لا جور فيه أو الذي حكمه لا يستطيع أحد نقضه ، وإن كان على إرادة وهو خير الحاكمين لي فالخبر مستعمل في الثناء للتعريض بالسؤال أن يقدر له ما فيه رأفة في رد غربته .

وعدم التعرّض لقول صدَر من بنيامين يدافع به عن نفسه يدل على أنه لازم السكوت لأنه كان مطلعاً على مراد يوسف عليه السلام من استبقائه عنده ، كما تقدم في قوله : { آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك } [ يوسف : 69 ] .