الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيّٗاۖ قَالَ كَبِيرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (80)

{ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ } يعني أيسوا من يوسف من أن يُجيبهم إلى ما سألوه { خَلَصُواْ نَجِيّاً } أي خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم ، والنجيّ لقوم يتناجون وقد يصلح للواحد أيضاً ، قال الله في الواحد : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] ، وقال في الجمع { خَلَصُواْ نَجِيّاً } وإنّما جاز للواحد والجمع لأنّه مصدر أُبدل نعتاً كالعدل والزور والفطر ونحوها ، وهو من قول القائل نجوت فلاناً أنجوه نجيّاً ، ومثله النجوى يكون اسماً ومصدراً ، قال الله تعالى : { وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } [ الإسراء : 47 ] أي يتناجون وقال : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ } [ المجادلة : 7 ] وقال في المصدر { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ } [ المجادلة : 10 ] وقال الشاعر :

بني بدا خبّ نجوى الرجال *** فكُنْ عِنْدَ سِرّكَ خَبّ النّجِي

والنجوى والنجيّ في هذا البيت بمعنى المناجاة ، وجمع النجيّ أنجية ، قال لبيد :

وشهدتُ أنجية الأفاقة عالياً *** كعبي وأرداف الملوك شهود

وقال آخر :

إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه *** واضطربت أعناقهم كالأرشية

هناك أوصيني ولا توصي بيه .

{ قَالَ كَبِيرُهُمْ } يعني في العقل والعلم لا في السنّ وهو شمعون ، وكان رئيسهم ، قاله مجاهد ، وقال قتادة والسدّي والضحاك وكعب : هو روبيل وكان أسنّهم وهو ابن خالة يوسف ، وهو الذي نهى إخوته عن قتله ، وهب والكلبي : يهوذا ، وكان أعقلهم ، محمد بن اسحاق : لاوي .

{ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ } عهداً من الله { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ } اختلفوا في محلّ ما فقال بعضهم : هو نصب إيقاع العلم عليه يعني : ألم تعلموا من قبل فعلتكم هذه تفريطكم في يوسف ؟ وقيل : هو في محلّ الرفع على الابتداء ، وتمام الكلام عند قوله : من الله يعني : ومن قبلي هذا تفريطكم في يوسف ، فيكون ما مرفوعاً يخبر [ . . . . ] الصفة وهو قوله : ومن قبل ، وقيل : ما صلة ، ويعني ومن هذا فرّطتم في يوسف أي قصّرتم وضيّعتم ، وقيل : رفع على الغاية .

{ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ } التي أنا بها وهي أرض مصر { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي } بالخروج منها { أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } بالخروج منها وترك أخي بنيامين بها أو معه ، وإلاّ فإنّي غير خارج منها ، وقال أبو صالح : أو يحكم الله لي بالسيف فأُحارب من حبس أخي بنيامين .

{ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } أفضل وأعدل من يفصل بين الناس .