المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

43- واستجيبوا للإيمان . فأدُّوا الصلاة مستقيمة الأركان ، وأعطوا الزكاة لمستحقيها ، وصلوا مع جماعة المسلمين لتنالوا ثواب الصلاة وثواب الجماعة ، وهذا يستلزم أن تكونوا مسلمين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

قال مقاتل : قوله تعالى لأهل الكتاب : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } أمرهم أن يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم { وَآتُوا الزَّكَاةَ } أمرهم أن يؤتوا الزكاة ، أي : يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

يقول : كونوا منهم ومعهم .

وقال علي بن طلحة ، عن ابن عباس : [ { وَآتُوا الزَّكَاةَ } ] {[1650]} يعني بالزكاة : طاعة الله والإخلاص .

وقال وَكِيع ، عن أبي جَنَاب ، عن عِكْرِمة عن ابن عباس ، في قوله : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } قال : ما يوجب الزكاة ؟ قال : مائتان فصاعدا .

وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله تعالى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } قال : فريضة واجبة ، لا تنفع الأعمال إلا بها وبالصلاة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن أبي حيان [ العجمي ]{[1651]} التيمي ، عن الحارث العُكلي في قوله : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } قال : صدقة الفطر .

وقوله تعالى : { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي : وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم ، ومن أخص ذلك وأكمله{[1652]} الصلاة .

[ وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة ، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله ، وقد تكلم القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد ]{[1653]} .


[1650]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1651]:زيادة من جـ.
[1652]:في أ، و: "وأجمله".
[1653]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

أمرٌ بالتلبس بشعار الإسلام عقب الأمر باعتقاد عقيدة الإسلام فقولُه : { وآمنوا بما أنزلت } [ البقرة : 41 ] الآية راجع إلى الإيمان بالنبيء صلى الله عليه وسلم وما هو وسيلة ذلك وما هو غايته ، فالوسيلة { اذْكروا نعمتي- إلى- فارهبون } [ البقرة : 40 ] والمقصدُ { وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم } ، والغاية { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } . وقد تخلل ذلك نهي عن مفاسد تصدهم عن المأمورات مناسباتٍ للأوامر . فقوله : { وأقيموا الصلاة } إلخ أمر بأعظم القواعد الإسلامية بعد الإيمان والنطق بكلمة الإسلام ، وفيه تعريض بحسن الظن بإجابتهم وامتثالهم للأوامر السالفة وأنهم كملت لهم الأمور المطلوبة . وفي هذا الأمر تعريض بالمنافقين ، ذلك أن الإيمان عقد قلبي لا يدل عليه إلا النطق ، والنطقُ اللساني أمر سهل قد يقتحمه من لم يعتقد إذا لم يكن ذا غلو في دينه فلا يتحرج أن ينطق بكلام يخالف الدين إذا كان غير معتقد مدلوله كما قال تعالى : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } [ البقرة : 14 ] الآية ، فلذلك أمروا بالصلاة والزكاة لأن الأولى عمل يدل على تعظيم الخالق والسجود إليه وخلع الآلهة ، ومثل هذا الفعل لا يفعله المشرك لأنه يغيظ آلهته بالفعل وبقول الله أكبر ولا يفعله الكتابي لأنه يخالف عبادته ، ولأن الزكاة إنفاق المال وهو عزيز على النفس فلا يبذله المرء في غير ما ينفعه إلا عن اعتقاد نفع أخروي لا سيما إذا كان ذلك المال ينفق على العدو في الدين ، فلذلك عقب الأمر بالإيمان بالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لأنهما لا يتجشمهما إلا مؤمن صادق . ولذلك جاء في المنافقين { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } [ النساء : 142 ] وقوله : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون : 4 ، 5 ] وفي « الصحيح » أن صلاة العشاء أثقل صلاة على المنافقين .

وفي هذه الآية دليل لمالك على قتل من يمتنع من أداء الصلاة مع تحقق أنه لم يؤدها من أول وقت صلاة من الصلوات إلى خروجه إذا كان وقتاً متفقاً بين علماء الإسلام ، لأنه جَعل ذلك الامتناع مع عدم العذر دليلاً على انتفاء إيمانه ، لكنه لما كان مصرحاً بالإيمان قال مالك : إنه يقتل حداً جمعاً بين الأدلة ومنعها لذريعة خرم الملة . ويوشك أن يكون هذا دليلاً لمن قالوا بأن تارك الصلاة كافر لولا الأدلة المعارضة .

وفيها دليل لما فعل أبو بكر رضي الله عنه من قتال مانعي الزكاة وإطلاق اسم المرتدين عليهم ؛ لأن الله جعل الصلاة والزكاة أمارة صدق الإيمان إذ قال لبني إسرائيل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ولهذا قال أبو بكر لما راجعه عمر في عزمه على قتال أهل الردة حين منعوا إعطاء الزكاة وقال له : كيف تقاتلهم وقد قالوا : لا إله إلا الله وقد قال رسول الله : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " فقال أبو بكر : لآقاتلن من فَرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، فحصل من عبارته على إيجازها جواب عن دليل عمر .

وقوله : { واركعوا مع الراكعين } تأكيد لمعنى الصلاة لأن لليهود صلاة لا ركوع فيها فلكي لا يقولوا إننا نقيم صلاتنا دفع هذا التوهم بقوله : { واركعوا مع الراكعين } .

والركوع طأْطأَة وانحناء الظهر لقصد التعظيم أو التبجيل ، وقد كانت العرب تفعله لبعض كبرائهم ، قال الأعشى :

إذا مَا أتانا أبو مالك *** رَكَعْنَا له وخَلَعْنا العِمَامه

( وروي سجدنا له وخلعنا العمارا ، والعمار هو العمامة ) .

وقوله : { مع الراكعين } إيماء إلى وجوب ممثالة المسلمين في أداء شعائر الإسلام المفروضة فالمراد بالراكعين المسلمون وفيه إشارة إلى الإتيان بالصلاة بأركانها وشرائطها .