نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

ولما فرغ سبحانه من أمر أهل الكتاب بالإيمان بالله والنبي والكتاب الذي هو من الهدى الآتي إليهم المشار إلى ذلك كله بالإيفاء بالعهد عطف بقوله{[2174]} : { وأقيموا الصلاة } أي{[2175]} حافظوا على العبادة{[2176]} المعهود بها في كل يوم {[2177]}بجميع شرائطها وأركانها{[2178]} { وآتوا الزكاة } أي{[2179]} المفروضة في كل حول لتجمعوا أوصاف المتقين المهديين{[2180]} بهذا الكتاب

{ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم{[2181]} ينفقون }[ البقرة : 3 ] المحسنين بذلك فيما بينهم وبين الحق وفيما بينهم وبين الخلق ، {[2182]}وهاتان العبادتان إما العبادات البدنية والمالية فخصا بالذكر ، لأن من شأنهما استجرار سائر العبادات واستتباعها ، والزكاة قال الحرالي{[2183]} نماء في ظاهر حس وفي باطن ذات نفس ، { واركعوا } من الركوع وهو توسط بين قيام وسجود يقع في ظاهر من القامة وفي حال من القلب ، تخص به الأمة المتوسطة الجامعة للطرفين { مع } معناه الصحبة من الأعلى بالحياطة{[2184]} ، ومن الأدنى{[2185]} بحسن التبع ، ومن المماثل بحسن النصفة - انتهى . وقوله : الراكعين * {[2186]}مع مصحوبه{[2187]} تأكيد لأمر الصلاة وأمر بالكون في هذا الدين مع الذين اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن صلاة اليهود لا ركوع فيها ، كما سيأتي بيانه في سورة آل عمران إن شاء الله تعالى .

وقال الحرالي : والمتسق بذلك أي بما مضى خطاب إفهام يفهمه{[2188]} عطف{[2189]} إقامة الصلاة التي هي تلو الإيمان ، فكأن خطاب الإفهام : فارجعوا واستدركوا وأعلنوا بما كتمتم وبينوا ما لبستم وانصحوا من استنصحكم وأقيموا وجهتكم لله{[2190]} بالصلاة وتعطفوا على الأتباع بعد تعليمهم بالزكاة وكملوا صلاتكم بما به كمال الصلاة من الركوع العدل في الفعل بين حال قيام الصلاة و{[2191]}سجودها المظهر آية عظمة الله مع الراكعين الذين هم العرب الذين وضعت أول صلاتهم على كمال - انتهى . {[2192]}ويجوز أن يكون المراد بالركوع الصلاة ، عبر عنها به لما ذكر من خصوص هذه الأمة{[2193]} به ، فكأنه قيل : وصلّوا مع المصلّين جماعة ، لمزيد التوصية بالجماعة .


[2174]:قال علي المهائمي: "و" لا يكفيكم العمل بالمنسوخ من التوراة وإن لم تغيروا ولم تلبسوا فيه ولم تكتموه بل "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" بمقتضى هذا الكتاب "و" اعلموا بفضائله وإن لم تكن ناسخة لما في كتابكم لذلك "اركعوا مع الراكعين" أي صلوا بالجماعة إذ فضلت على صلاة الفذ في هذه الملة بسبع وعشرين درجة فأتوا بفضائل هذا الكتاب سيما التي بها تظاهر النفوس على الخيرات. وقال البيضاوي: يعني صلاة المسلمين وزكاتهم فإن غيرهما كلا صلاة ولا زكاة، أمرهم بفروع الإسلام بعد ما أمرهم بأصوله، والزكاة من زكا الزرع إذا نما فإن إخراجها يستجلب بركة من المال ويثمر للنفس فضيلة الكرم، أو من الزكاء بمعنى الطهارة فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل.
[2175]:ليست في ظ.
[2176]:ليست في ظ.
[2177]:ليست في ظ.
[2178]:ليست في ظ.
[2179]:ليس في م.
[2180]:في م: المهذبين.
[2181]:في ظ وم ومد: رزقوا.
[2182]:العبارة من هنا إلى "استتباعها" ليست في ظ.
[2183]:ليس في ظ.
[2184]:في م: للحياطة.
[2185]:من م وظ، ولا يتضح في مد، وفي الأصل: الأعلى – كذا.
[2186]:في م: مع مصحوبة وفي ظ: بجملته – كذا.
[2187]:في م : مع مصحوبة، وفي ظ: بجملته – كذا.
[2188]:في م ومد : تفهمه.
[2189]:وقال أبو حيان الأندلسي: وفي هذه الجمل وإن كانت معطوفات بالواو التي لا تقتضي في الوضع ترتيبا ترتيب عجيب من حيث الفصاحة وبناء الكلام بعضه على بعض، وذلك أنه تعالى أمرهم أولا بذكر النعمة التي أنعمها عليهم إذ ما في ذلك يدعو إلى محبة المنعم ووجوب إطاعته، ثم أمرهم بإيفاء العهد الذي التزموه للمنعم، ثم رغبهم بترتيب إيفائه هو تعالى بعهدهم في الإيفاء بالعهد، ثم أمرهم بالخوف من نقماته إن لم يوفوا،فاكتشف الأمر بالإيفاء أمر بذكر النعمة والإحسان وأمر بالخوف من العصيان، ثم أعقب ذلك بالأمر بإيمان خاص وهو ما أنزل من القرآن ورغب في ذلك بأنه مصدق لما معهم فليس أمرا مخالفالما في أيديهم لأن الانتقال إلى الموافق أقرب من الانتقال إلى المخالف، ثم نهاهم عن استبدال الخسيس بالنفيس، ثم أمرهم تعالى باتقائه، ثم أعقب ذلك بالنهي عن لبس الحق بالباطل وكتمان الحق تركا للاضلال، ولما كان الضلال ناشئا عن أمرين: إما تمويه الباطل حقا إن كانت الدلائل قد بلغت المستتبع، وإما عن كتمان الدلائل إن كانت لم تبلغه، أشار إلى الأمرين بلا تلبسوا و تكتموا. ثم قبح عليهم هذين الوصفين مع وجود العلم، ثم أمرهم بعد تحصيل الإيمان وإظهار الحق بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة – من شاء الاطلاع على ما بعدها فلينظر في البحر المحيط 1/180.
[2190]:ليس في ظ.
[2191]:في م: أو.
[2192]:العبارة من هنا إلى "بالجماعة" ليست في ظ
[2193]:من م ومد، وفي الأصل: الآية.