فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

قد تقدم الكلام في تفسير إقامة الصلاة واشتقاقها والمراد هنا الصلاة المعهودة ، وهي صلاة المسلمين ، على أن التعريف للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس ، ومثلها الزكاة . والإيتاء : الإعطاء ، يقال : آتيته . أي أعطيته . والزكاة مأخوذة من الزكاء ، وهو : النماء ، زكا الشيء : إذا نما وزاد ، ورجل زكي ، أي : زائد الخير ، وسمي إخراج جزء من المال زكاة ، أي : زيادة مع أنه نقص منه ؛ لأنها تكثر بركته بذلك ، أو تكثر أجر صاحبه . وقيل الزكاة مأخوذة من التطهير ، كما يقال زكا فلان : أي : طهر .

والظاهر أن الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، ونحوها قد نقلها الشرع إلى معان شرعية هي المرادة بما هو مذكور في الكتاب والسنة منها . وقد تكلم أهل العلم على ذلك بما لا يتسع المقام لبسطه . وقد اختلف أهل العلم في المراد بالزكاة هنا ، فقيل المراد المفروضة ، لاقترانها بالصلاة . وقيل صدقة الفطر ، والظاهر أن المراد ما هو أعم من ذلك .

والركوع في اللغة : الانحناء ، وكل منحن راكع ، قال لبيد :

أخَبر أخبارَ القرون التي مضت *** أدِبُّ كأني كلما قمت راكعُ

وقيل : الانحناء يعم الركوع والسجود ، ويستعار الركوع أيضاً للانحطاط في المنزلة ، قال الشاعر :

لا تهين الفقير علك أن *** تركع يوماً والدهر قد رفعه

وإنما خص الركوع بالذكر هنا ؛ لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم . وقيل : لكونه كان ثقيلاً على أهل الجاهلية . وقيل : إنه أراد بالركوع جميع أركان الصلاة . والركوع الشرعي : هو أن ينحني الرجل ، ويمد ظهره وعنقه ، ويفتح أصابع يديه ، ويقبض على ركبتيه ، ثم يطمئن راكعاً ، ذاكراً بالذكر المشروع . وقوله : { مَعَ الراكعين } فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة ، والخروج إلى المساجد ، وقد ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ما هو معروف . وقد أوجب حضور الجماعة بعض أهل العلم ، على خلاف بينهم في كون ذلك عيناً أو كفاية ، وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة مرغب فيها ، وليس بواجب . وهو الحق للأحاديث الثابتة الصحيحة عن جماعة من الصحابة ، من أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة ، أو بسبع وعشرين درجة . وثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم «الذي يصلي مع الإمام أفضل من الذي يصلي وحده ثم ينام » والبحث طويل الذيول كثير النقول .

/خ46