أمرهم بالإيمان ، ثم نهاهم عن لَبْس الحق بالباطل ، وكِتْمَان دلائل النُّبوة ، ثم ذكر بعد ذلك بيان ما لزمهم من الشّرائع ، وذكر من جملته ما هو كالأصل فيها ، وهو الصَّلاة التي هي أعظم العبادات البدنية ، والزكاة التي هي أعظم العبادات المالية .
قوله : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } هذه الجُمْلَة وما بعدها عطف على الجملة قبلها عطف أمر على نهي .
وأصل " أقيموا " : " أقْوِمُوا " ، ففعل به ما فعل ب { وَيُقِيمُونَ } [ البقرة : 3 ] وقد تقدم الكلام عليها وعلى " الصًّلاة " ، وأصل " آتوا " " ائْتِيُوا " بهمزتين مثل " أكْرِمُوا " ، فقلبت الثانية ألفاً لسكونها بعد همزة مفتوحة ، واستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، فالتقى ساكنان " الياء والواو " ، فحذفت الياء ؛ لأنها أول وحركت التاء بحركتها .
وقيل : بل ضمت تبعاً للواو ، كما ضم آخر " اضربوا " ونحوه ، ووزنه : " افعوا " بحذف اللام .
وألف " الزكاة " منقلبة عن واو ، لقولهم : زَكَوَات ، وزَكَا يَزْكُو ، وهي النحو .
وقيل : أصلها الثَّنَاء الجميل ، ومنه : زكى القاضي الشُّهود ، والزَّكَا : الزوج صار زوجاً بزيادة فرد آخر عليه ، والخَسَا : الفرد ، قال : [ البسيط ]
446 كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أرْبَعَةٍ *** لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تعْتَلِجُ
قوله : { مَعَ الرَّاكِعِينَ } منصوب ب " ارْكَعُوا " .
و " الركوع " : الطّمأنينة والانْحِنَاء ، ومنه قوله : [ الطويل ]
447 أُخَبِّرُ أخْبَارَ القُرُونِ الَّتِي مَضَتْ *** أَدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ
وقيل : الخضوع والذِّلَّة ؛ ومنه : [ المنسرح ]
448 وَلاَ تُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ *** تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
فصل في عدم تأخير البيان عن الحاجة
قال ابن الخطيب : القائلون بأنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب ، قالوا : إنما جاء في قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } بعد أن كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وصف لهم أركان الصَّلاة وشرائطها ، فكأنه تعالى قال : وأقيموا الصلاة التي عرفتموها ، والقائلون بجواز التأخير قالوا : يجوز أن يراد الأمر بالصَّلاة ، وإن كانوا لا يعرفون أن الصَّلاة ما هي ؟ ويكون المقصود أن يوطن السَّامع نفسه على الامتثال ، وإن كان لا يعلم أن المأمور به ، ما هو ؟ كما يقول السيد لعبده : إني آمرك غداً بشيء فلا بد وأن تفعله ، ويكون غرضه منه بأن يعزم العَبْدُ في الحال على أدائه في الوقت الثاني .
فصل في أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع
قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } خطاب مع اليهود ، وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام .
فإن قيل : قوله : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } أمر بالصَّلاة ، وقوله : { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } أمر بالصّلاة أيضاً ، فيكون تكراراً .
فالجواب : أن قوله : { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي : صَلُّوا مع المصلِّين ، ففي الأوّل أمر بإقامة الصَّلاة ، وفي الثاني أمر بفعلها في الجماعة فلا تَكْرار .
وقيل : إن اليهود لا ركوع في صلواتهم ، فخصّ الركوع بالذكر تحريضاً لهم على الإتيان بصلاة المسلمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.