غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

40

ثم لما أمرهم بذكر نعمته وبالإيمان برسوله وكتابه ونهاهم عن اللبس والكتمان ، بين لهم ما لزمهم من أصول الشرائع فقال { وأقيموا الصلاة } أي التي عرفتموها بوصف النبي ، بناء على أنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب . وأما القائلون بجواز التأخير فقد جوزوا ورود الأمر بالصلاة وإن لم يعرف حقيقتها ، ويكون المقصود أن يوطن السامع نفسه على الامتثال وإن كان لا يعلم أن المأمور به ما هو كما لو قال السيد لعبده : إني آمرك غداً بشيء فلابد أن تفعله . ويكون الغرض أن يعزم العبد في الحال على أدائه في الوقت الثاني . ومعنى الصلاة لغة وشرعاً قد تقدم في أول البقرة . وأما الزكاة فهي في اللغة ، الزيادة والنماء ، وفي الشرع القدر المخرج من النصاب لأنها تزيد في بركة المخرج عنه ، ويمكن أن يقال : مأخوذة من التطهير من زكى نفسه تزكية إذا مدحها وطهرها من العيوب . قال تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103 ] فإن المخرج يطهر ما بقي من المال . قال صلى الله عليه وسلم " عليك بالصدقة فإن فيها ست خصال : ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة . فأما التي في الدنيا فتزيد في الرزق ، وتكثر المال ، وتعمر الدار . وأما التي في الآخرة فتستر العورة ، وتصير ظلاً فوق الرأس ، وتكون ستراً من النار " وفي هذا الخطاب مع اليهود دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع .

وفي قوله { واركعوا مع الراكعين } وجوه : أحدها أن اليهود لا ركوع في صلاتهم ، فخص الركوع بالذكر تحريضاً لهم على الإتيان بصلاة المسلمين . وثانيها صلوا مع المصلين فلا تكرار لأن الأول أمر بإقامتها ، والثاني أمر بالجماعة . وثالثها الركوع والخضوع لغة سواء ، فيكون نهياً عن الاستكبار المذموم وأمراً بالتذلل للمؤمنين .