البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

الركوع : له معنيان في اللغة : أحدهما : التطامن والانحناء ، وهذا قول الخليل وأبي زيد ، ومنه قول لبيد :

أخبر أخبار القرون التي مضت*** أدبّ كأني كلما قمت راكع

والثاني : الذلة والخضوع ، وهو قول المفضل والأصمعي ، قال الأضبط السعدي :

لا تهين الضعيف علك أن*** تركع يوماً والدهر قد رفعه

{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } : تقدّم الكلام على مثل هذا في أوّل السورة في قوله : { ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } ، ويعني بذلك صلاة المسلمين وزكاتهم ، فقيل : هي الصلاة المفروضة ، وقيل : جنس الصلاة والزكاة .

قيل : أراد المفروضة ، وقيل : صدقة الفطر ، وهو خطاب لليهود ، فدل ذلك على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .

قال القشيري : وأقيموا الصلاة : احفظوا أدب الحضرة ، فحفظ الأدب للخدمة من الخدمة ، وآتوا الزكاة ، زكاة الهمم ، كما تؤدى زكاة النعم ، قال قائلهم :

كلّ شيء له زكاة تؤدّى*** وزكاة الجمال رحمة مثلي

{ واركعوا مع الراكعين } : خطاب لليهود ، ويحتمل أن يراد بالركوع : الانقياد والخضوع ، ويحتمل أن يراد به : الركوع المعروف في الصلاة ، وأمروا بذلك وإن كان الركوع مندرجاً في الصلاة التي أمروا بإقامتها ، لأنه ركوع في صلاتهم ، فنبه بالأمر به ، على أن ذلك مطلوب في صلاة المسليمن .

وقيل : كنى بالركوع عن الصلاة : أي وصلوا مع المصلين ، كما يكنى عنها بالسجدة تسمية للكلّ بالجزء ، ويكون في قوله مع دلالة على إيقاعها في جماعة ، لأن الأمر بإقامة الصلاة أوّلاً لم يكن فيها إيقاعها في جماعة .

والراكعون : قيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقيل : أراد الجنس من الراكعين .

/خ43