النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

قوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } .

أما الصلاة : فقد مضى الكلام فيها{[101]} .

وأما الزكاة : ففي تسمية صدقة الأموال بها ، قولان :

أحدهما : أنه من تثمير المال وزيادته ، ومنه قولهم : زَكا الزرع ، إذا زاد ، ويقال : زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ :

كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ *** لَمْ يُخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِج{[102]}

فخساً : الوِتر ، وزكاً : الشفع ، وقال الراجز :

فَلاَ خَساً عَدِيدُهُ وَلاَ زَكاً *** كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا

السَّفَا : شوك البهمي ، والبهمي : الشوك الممدود مثل السبلى{[103]} .

والقول الثاني : أنَّها مأخوذة من التطهير ، ومنه قوله تعالى :

{ أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً }{[104]} أي طاهرة من الذنوب .

وفيما يُطهَّر قولان :

أحدهما : أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ .

الثاني{[105]} : تطهير نفس المزكي ، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل .

قوله تعالى : { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } فيه قولان{[106]} :

أحدهما : أنه أراد جملة الصلاة ، فعبر عنها بالركوع ، كما يقول الإنسان : فَرَعْتُ من ركوعي ، أي من صلاتي .

والثاني : أنه أراد الركوع الذي في الصلاة ، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم .

وفي أصل الركوع قولان :

أحدهما : أنه مأخوذ من التطامن والانحناء ، وهو قول الخليل ، وابن زيدٍ ، قال لبيد بنُ ربيعة :

أخبّر أخبار القرون التي مضت *** أدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ

والثاني : أنه مأخوذ من المذلَّة والخضوع ، وهو قول الأصمعي والمفضل ، قال الأضبطُ بنُ قريع السَّعْدِيُّ :

لاَ تُذِلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ *** كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ


[101]:- راجع الآية 2 من سورة البقرة.
[102]:- الجدود: جمع جد وهو الحظ والبخث. تعتلج، ويقال اعتلجت الأرض إذا طال نباتها وارتفع.
[103]:- السبلى: هكذا في الأصول ولم أعثر في معاجم اللغة على هذه الكلمة ويبدو أنها السنبل.
[104]:- زاكية: هكذا في الأصول وهي قراءة الجمهور، والذي في المصاحف المتداولة زكية وهي قراءة الكوفيين وابن عامر. قال الكسائي ومعناهما واحد. الآية 74 من سورة الكهف.
[105]:- اقتصرت الأصول على قول واحد، وقد أخذنا القول الثاني من كتب التفسير. قال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها.
[106]:- زيادة يقتضيها السياق.