التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

وقوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ( إقامة الصلاة بمعنى المداومة والثبات عليها وتأديتها على وجهها الصحيح ، وذلك من حيث أركانها وهيئتها وسننها ، وآتوا الزكاة من الإيتاء وهو الإعطاء ، وكل من الصلاة والزكاة قد ورد مجملا ليؤخذ التفصيل لكليهما من السنة المطهرة ، فإنها المخلوة ببيان ما أجمله القرآن كالصلاة والزكاة وغيرها .

وفي هذه الآية يأمر الله بني إسرائيل أن يلتزموا بعبارة الصلاة والزكاة ، ثم ليركعوا مع الراكعين من المسلمين .

وقد يتبادر للذهن تساؤل عن مخاطبة أهل الكتاب وتكليفهم بأجزاء الدين وفروعه مع أنهم كافرون وعلى ملة الشرك وفي تقديرنا أن الإجابة عن هذا التساؤل تحتمل الوجهين التاليين :

الأول : أن ذلك من باب المطالبة بالفرع ليكون التذكير بالأهم هو الأصل أي العقيدة وهي الأساس في هذا الدين كله .

الثاني : وهو التذكير بأهمية وخطورة مثل هذه الشعائر من حيث تأثيرها على النفس البشرية إذ تهذبها تهذيبا ، ذلك الذي يمكن تصوره ليون إجابة عن التساؤل والله سبحانه وتعالى أعلم .

وقوله : ( واركعوا مع الراكعين ( الركوع في اللغة الانحناء ، وهو في الصلاة مقترن بالخشوع والتذلل لله ، وقد ذكر الركوع لأهميته فهو أحد أركان الصلاة التي لا تنعقد إلا به ، وهو تعبير متذلل ينطق به الحس وتؤديه جوارح البدن ، في أوفى صور الخشوع والرهبة خلال حركة هادئة واعية ، تتلاقى فيها أعضاء البدن الممثل المنحني والشعور الخاشع المستفيض الموصول بالمثل الأعلى .

ونعرض هنا مسألة وهي صلاة الجماعة وذلك لإيجابه أداء الركوع مع جماعة الراكعين ، وقد جاء في حكم صلاة الجماعة جملة أقوال يمكن أن تقتضب منها الخلاصة التالية في أقوال ثلاثة :

الأول : أنها سنة مؤكدة فهي بذلك دون الفريضة فلمن أداها أجر كبير ، ومن لم يؤدها كان محروما من جزيل الثواب إلى أعده الله للمصلين في جماعة غير منفردين ، يضاف الى ذلك أن الحرمان من ثواب الجماعة لا ينقضي عقابا ، لأن العقاب يوجبه ترك الفريضة أو انتهاك الحرمان وهو قول الجمهور .

الثاني : أنها واجبة وأن تاركها آثم يستحق العقاب ، وذلك استنادا لبعض الأئمة في السنة يقضي ظاهرها بوجوب الجماعة ، وكذلك هذه الآية التي تنحن بصددها ( واركعوا مع الراكعين ( .

وقد ذهب الى وجوبها أحمد بن حنبل وأهل الظاهر وآخرون .

الثالث : أنها فرض كفاية بحيث يسقط الوجوب إذا ما أقيمت وأداها فريق من المسلمين وذلك الذي ذهب إليه بعض أهل العلم .

هذه خلاصة الأقوال الثلاثة الواردة في حكم الجماعة ، وإني وإن كنت أتصور أهمية هذه الأقوال جميعا ، نظرا لاستنادها الى الأدلة الصحيحة ، لكنني أطمئن للقول الأول وهو أن الجماعة من حيث الحكم تأتي على السنة المؤكدة وذلك بالنظر الى إمكانية التأويل لأدلة القولين الآخرين ، وهو تأويل يورد الاحتمال الذي ينخرم معه الاستدلال ، ويعزز القول بالسنية المؤكدة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عمر ، وفيه بيان بالأفضل والمفضول وأن المفضول لا يكون إلا صحيحا مشروعا وهو لا يوجب عقابا والله سبحانه أعلم . {[54]}


[54]:تفسير ابن كثير جـ 1 ص 78-85 وتفسير القرطبي جـ 1 ص 330-350 والكشاف جـ 1 ص 274-277 وبداية المجتهد جـ 1 ص 121.