71- والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أحباء ونصراء بعض بمقتضى الإيمان ، يأمرون بما يأمر به دينهم الحق ، وينهون عما ينكره الدين ، يؤدون الصلاة في أوقاتها ، ويؤتون الزكاة لمستحقيها في إبَّانها ، ويمتثلون ما يأمر به اللَّه ورسوله ، ويجتنبون ما ينهي عنه اللَّه ورسوله ، وهؤلاء هم الذين سيظلون في رحمة اللَّه ، فإن اللَّه قادر على رعايتهم بالرحمة ، حكيم في عطائه .
لما ذكر [ الله ]{[13619]} تعالى صفات المنافقين الذميمة ، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة ، فقال : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أي : يتناصرون ويتعاضدون ، كما جاء في الصحيح : " المؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه{[13620]} بعضا " وشبك بين أصابعه{[13621]} وفي الصحيح أيضا : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " {[13622]}
وقوله : { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } كما قال تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 104 ]
وقوله تعالى : { وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } أي : يطيعون الله ويحسنون إلى خلقه ، { وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيما أمر ، وترك ما عنه زجر ، { أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ } أي : سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات ، { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : عزيز ، من أطاعه أعزه ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، { حَكِيمٌ } في قسمته هذه الصفات لهؤلاء ، وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة ، فإن له الحكمة في جميع ما يفعله ، تبارك وتعالى .
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } في مقابلة قوله المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله } في سائر الأمور . { أولئك سيرحمهم الله } لا محالة فإن السين مؤكدة للوقوع . { إن الله عزيز } غالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده . { حكيم } يضع الأشياء مواضعها .
هذه تقابل قوله : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] لبيان أنّ الطائفة التي ينالها العفو هي الملتحقة بالمؤمنين .
فالجملة معطوفة على جملة : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] وما بينهما جمل تسلسل بعضها عن بعض .
وقوله : { بعضهم أولياء بعض } مقابل قوله : في المنافقين { بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] . وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام ، فهم فيها على السواء ليس واحد منهم مقلّداً للآخر ولا تابعاً له على غير بصيرة لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص والتناصر بخلاف المنافقين فكأنّ بَعضَهم ناشىء من بعض في مذامّهم .
وزيد في وصف المؤمنين هنا { يقيمون الصلاة } تنويهاً بأنّ الصلاة هي أعظم المعروف .
وقوله : { ويؤتون الزكاة } مقابل قوله في المنافقين { ويقبضون أيديهم } [ التوبة : 67 ] .
وقوله { ويطيعون الله ورسوله } مقابل قوله في المنافقين { نسوا الله } [ التوبة : 67 ] لأنّ الطاعة تقتضي مراقبة المطاع فهي ضدّ النسيان .
وقوله : { أولئك سيرحمهم الله } مقابل قوله في المنافقين { فنسيهم } [ التوبة : 67 ] .
والسين لتأكيد حصول الرحمة في المستقبل ، فحرف الاستقبال يفيد مع المضارع ما تفيد ( قد ) مع الماضي كقوله : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] .
والإشارةُ للدلالة على أنّ ما سيرد بعد اسم الإشارة صاروا أحرياءَ به من أجللِ الأوصاف المذكورة قبل اسم الإشارة .
وجملة : { إن الله عزيز حكيم } تعليل لجملة { سيرحمهم الله } أي : أنّه تعالى لعزّته ينفع أولياءه وأنّه لحكمته يضع الجزاء لمستحقّه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.