يقول تعالى : { أَفَلَمْ يَهْدِ } لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به : يا محمد ، كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم ، فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر ، كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها ، يمشون فيها ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } أي : العقول الصحيحة والألباب المستقيمة ، كما قال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ، وقال في سورة " الم السجدة " : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ } [ السجدة : 26 ] .
{ أفلم يهد لهم } مسند إلى الله تعالى أو الرسول أو ما دل عليه . { كم أهلكنا قبلهم من القرون } أي إهلاكنا إياهم أو الجملة بمضمونها ، والفعل على الأولين معلق يجري مجرى أعلم ويدل عليه القراءة بالنون . { يمشون في مساكنهم } ويشاهدون آثار هلاكهم . { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي .
ثم ابتدأ يوبخهم ويذكرهم العبر بقوله { أفلم يهدِ لهم } وقرأت فرقة «يهد » بالياء بمعنى يتبين ، واختلفت هذه الفرقة في الفاعل فقال بعضها الفاعل { كم } وهذا قول كوفي . ونحاة البصرة لا يجيزونه لأن «كم » لها صدر الكلام ، وفي قراءة ابن مسعود «أفلم يهد لهم من أهلكنا » فكأن هذه القراءة تناسب ذلك التأويل في { كم } وقال بعضهم الفاعل الله عز وجل .
والمعنى { أفلم يهد لهم } ما جعل الله لهم من الآيات والعبر فأضاف الفعل إلى الله عز وجل بهذا الوجه قاله الزجاج ، وقال بعضهم الفاعل مقدر الهدى أو الأمر .
قال أبو محمد رحمه الله :أو النظر أو الاعتبار ، وهذا أحسن ما يقدر به عندي{[8176]} ، وقرأت فرقة «نهد » بالنون وهذه القراءة تناسب تأويل من قال في التي قبلها الفاعل الله تعالى . و { كم } على هذه الأقوال نصب ب { أهلكنا } ، ثم قيد { القرون } بأنهم يمشي هؤلاء الكفرة { في مساكنهم } فإنما أراد عاداً أو ثمود أو الطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره ، وقرأت فرقة «يمشون » بفتح الياء ، وقرأت فرقة «يُمشّون » بضم الياء وفتح الميم وشد الشين ، و { النهى } جمع نهية وهو ما ينهى الإنسان عن فعل القبيح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.