وقوله : { لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا{[28304]} للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فإنه{[28305]} لو قدر شيء لكان { وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } أي : جاءكم ، ويقرأ : " آتاكُم " أي : أعطاكم . وكلاهما متلازمان ، أي : لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا نعم {[28306]} الله أشرًا وبطرًا ، تفخرون بها على الناس ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره .
وقال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبرًا .
لكيلا تأسوا أي أثبت وكتب كي لا تحزنواعلى ما فاتكم من نعم الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر وقرأ أبو عمرو بما أتاكم من الإتيان ليعادل ما فاتكم وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها واما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ولذلك عقبه بقوله والله لا يحب كل مختال فخور إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء .
وقوله تعالى : { لكي لا تأسوا } معناه : فعل الله ذلك كله وأعلمكم به ليكون سبب تسليمكم وقلة اكتراثكم بأمر الدنيا ، فلا تحزنوا على ما فات ، ولا تفرحوا الفرح المبطر بما آتاكم منها . قال ابن عباس : ليس أحد إلا يفرح ويحزن ، ولكن من أصابته مصيبة يجعلها صبراً ، من أصاب خيراً يجعله شكراً .
وقرأ أبو عمرو وحده : «أتاكم » على وزن مضى ، وهذا ملائم لقوله : { فاتكم } . وقرأ الباقون من السبعة : «آتاكم » ، على وزن أعطاكم ، بمعنى آتاكم الله تعالى ، وهي قراءة الحسن والأعرج وأهل مكة . وقرأ ابن مسعود : «أوتيتم » ، وهي تؤيد قراءة الجمهور .
وقوله تعالى : { والله لا يحب كل مختال فخور } يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال ، والفخر بنعم الله المقترن بالشكر والتواضع فأمر لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه ولا حرج فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.