المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

71- قل لأولاء الكفار توبيخاً لهم ، هل يصح أن يعبد غير الله مما لا يملك جلب نفع ، ولا دفع ضر ، وننتكس في الشرك بعد أن وفقنا الله إلى الإيمان ، ونكون كالذي غررت به الشياطين وأضلته في الأرض ، فصار في حيرة لا يهتدي معها إلى الطريق المستقيم ، وله رفقة مهتدون يحاولون تخليصه من الضلال ، قائلين له : ارجع إلى طريقنا السوي ، فلا يستجيب لهم . قل - أيها النبي - : إن الإسلام هو الهدى والرشاد ، وما عداه ضلال ، وقد أمرنا الله بالانقياد له ، فهو خالق العالمين ورازقهم ومدبر أمورهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

قال السُّدِّي : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد ، فأنزل الله ، عَزَّ وجل : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا } أي : في الكفر { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ } فيكون مثلُنا مثل الذي { اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ [ حَيْرَانَ ] }{[10834]} يقول : مثلكم ، إن كفرتم بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين ، واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : " ائتنا فَإنَّا على الطريق " ، فأبى أن

يأتيهم . فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام . رواه ابن جرير .

وقال قتادة : { اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ } أضلته في الأرض ، يعني : استهوته{[10835]} مثل قوله : { تَهْوِي إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا } الآية . هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها ، والدعاة الذين يدعون إلى الله ، عَزَّ وجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد : " يا فلان بن فلان ، هلم إلى الطريق " ، وله أصحاب يدعونه : " يا فلان ، هلم إلى الطريق " ، فإن اتبع الداعي الأول ، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة{[10836]} وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق . وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت ، فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ } هم " الغيلان " ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله ، عَزَّ وجل . رواه ابن جرير .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ } قال : رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس ، قوله : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ } هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وجار{[10837]} عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، يقول [ الله ]{[10838]} { إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } والضلال ما يدعو إليه الجن . رواه ابن جرير ، ثم قال : وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ، ويزعمون أنه هدى . قالت : وهذا خلاف ظاهر الآية ؛ فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى .

وهو كما قال ابن جرير ، وكان{[10839]} سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي : في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى . وتقدير الكلام : فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ، ولرد به إلى الطريق ؛ ولهذا قال : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى }

كما قال : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ }{[10840]} [ الزمر : 37 ] ، وقال : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ النحل : 37 ] ، وقوله { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : نخلص له العباد{[10841]} وحده لا شريك له .


[10834]:زيادة من أ.
[10835]:في م: "استهوته سيرته".
[10836]:في م، أ: "في هلكه".
[10837]:في أ: "وحاد".
[10838]:زيادة من أ.
[10839]:في م، أ: "فإن".
[10840]:في أ: "من يهده الله فلا مضل له".
[10841]:في م، أ: "العبادة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

{ قل أندعو } أنعبد . { من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } ما لا يقدر على نفعنا وضرنا . { ونرد على أعقابنا } ونرجع إلى الشرك . { بعد إذ هدانا الله } فأنقذنا منه ورزقنا الإسلام . { كالذي استهوته الشياطين } كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامة ، استفعال من هوى يهوي هويا إذا ذهب . وقرأ حمزة " استهواه " بألف ممالة ومحل الكاف النصب على الحال من فاعل { نرد } أي : مشبهين الذين استهوته ، أو على المصدر أي ردا مثل رد الذي استهوته . { في الأرض حيران } متحيرا ضالا عن الطريق . { له أصحاب } لهذا المستهوى رفقه . { يدعونه إلى الهدى } إلى أن يهدوه الطريق المستقيم ، أو إلى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر . { ائتنا } يقولون له ائتنا . { قل إن هدى الله } الذي هو الإسلام . { هو الهدى } وحده وما عداه ضلال . { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } من جملة المقول عطف على أن هدى الله ، واللام التعليل الأمر أي أمرنا بذلك لنسلم . وقيل هي بمعنى الباء وقيل هي زائدة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

المعنى : قل في احتجاجك : أنطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله ، والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئاً موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتكل { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } يعني الأصنام ، إذ هي جمادات : حجارة وخشب ونحوه ، وضرر الأصنام في الدين لا يفهمه الكفار فلذلك قال : { ولا يضرنا } إنما الضرر الذي يفهمونه من نزول المكاره الدنياوية . { ونرد على أعقابنا } تشبيه ، وذلك أن المردود على العقب هو أن يكون الإنسان يمشي قدماً— وهي المشية الجيدة— فيرد يمشي القهقرى—وهي المشية الدنية— فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر ، ووقعت في هذه الآية في تمثيل الراجع من الهدي إلى عبادة الأصنام ، و { هدانا } بمعنى أرشدنا ، قال الطبري وغيره الرد على العقب يستعمل فيمن أمل أمراً فخاب أمله .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول قلق وقوله تعالى : { كالذي استهوته الشياطين } الآية الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف تقديره رداً كرد الذي ، و { استهوته } استفعلته بمعنى استدعت هواه وأمالته ، قال أبو عبيدة : ويحتمل ُهِوَّيه وهو جده وركوب رأسه في النزوع إليهم ، والهوى من هوى يهوى يستعمل في السقوط من علو إلى أسفل ، ومنه قول الشاعر :

هوى ابْنِي مِنْ دَار أشرف . . . فَزَلَّتْ رِجُلُهُ ويَدُه

وهذا المعنى لا مدخل له في هذه الآية إلا أن تتأول اللفظة بمعنى ألقته الشياطين في هوة ، وقد ذهب إليه أبو علي وقال : هو بمعنى أهوى كما أن استزل بمعنى أزل .

قال القاضي أبو محمد : والتحرير : أن العرب تقول : هوى وأهواه غيره واستهواه بمعنى طلب منه أن يهوي هو أو طلب منه أن يهوي شيئاً ، ويستعمل الهوى أيضاً في ركوب الرأس في النزوع إلى الشيء ومنه قوله تعالى : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم }{[4968]} ، ومنه قول شاعر الجن : [ السريع ]

تهوي إلى مَكّةَ تَبْغي الهُدَى . . . ما مؤمنُ الجِنّ كأنجاسِها{[4969]}

وهذا المعنى هو الذي يليق بالآية ، وقرأ الجمهور من الناس «استهوته الشياطين » وقرأ الحسن «استهوته الشياطون » . وقال بعض الناس : هو لحن ، وليس كذلك بل هو شاذ قبيح وإنما هو محمول على قولهم ، سنون وأرضون إلا أن هذه في جمع مسلم وشياطون في جمع مكسر فهذا موضع الشذوذ ، وقرأ حمزة «استهواه الشياطين » وأمال استهواه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعمش وطلحة «استهويه الشيطان » بالياء وإفراد الشيطان ، وذكر الكسائي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود ، وقوله : { في الأرض } يحكم بأن { استهوته } إنما هو بمعنى استدعت هويه الذي هو الجد في النزوع و { حيران } في موضع الحال ، ومؤنثه حيرى فهو لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، ومعناه ضالاً متحيراً وهو حال من الضمير في { استهوته } والعامل فيه { استهوته } ، ويجوز أن يكون من الذي والعامل فيه المقدر بعد الكاف ، وقوله { استهوته } يقتضي أنه كان على طريق فاستدعته .

قال القاضي أبو محمد : فسياق هذا المثل كأنه قال أيصلح أن يكون بعد الهدي نعبد الأصنام فيكون ذلك منا ارتداداً على العقب فيكون كرجل على طريق واضح فاستهوته عنه الشياطين فخرج عنه إلى دعوتهم فبقي حائراً وقوله : { وله أصحاب } يحتمل أن يريد له أصحاب على الطريق الذي خرج منه فيشبه بالأصحاب على هذا المؤمنون الذين يدعون من ارتد إلى الرجوع إلى الهدى ، وهذا تأويل مجاهد وابن عباس ويحتمل أن يريد له أصحاب أي من الشياطين الدعاة أولاً يدعونه إلى الهدى بزعمهم وإنما يوهمونه فيشبه بالأصحاب على هذا الكفرة الذين يثبتون من ارتد عن الإسلام على ارتداده ، وروي هذا التأويل عن ابن عباس أيضاً ، و { ائتنا } من الإتيان بمعنى المجيء ، وفي مصحف عبد الله «إلى الهدى بيناً »{[4970]} وهذه تؤيد تأويل من تأول الهدى حقيقة إخبار من الله ، حكى مكي وغيره أن المراد ب «الذي » في هذه الآية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق و ب «الأصحاب » أبوه وأمه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لأن في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها لما سمعت قول قائل : إن قوله تعالى : { والذي قال لوالديه أف لكما }{[4971]} نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قالت : كذبوا والله ما نزل فينا من القرآن شيء إلا براءتي .

قال القاضي أبو محمد : حدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت الفقيه الإمام أبا عبد الله المعروف بالنحوي المجاور بمكة يقول : من نازع أحداً من الملحدة فإنما ينبغي أن يرد عليه وينازعه بالقرآن والحديث فيكون كمن يدعو إلى الهدى بقوله : { ائتنا } ، ومن ينازعهم بالجدل ويحلق عليهم به فكأنه بعد عن الطريق الواضح أكثر ليرد هذا الزائغ فهو يخاف عليه أن يضل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا انتزاع حسن جداً ، وقوله تعالى : { قل إن هدى الله } الآية ، من قال إن «الأصحاب » هم من الشياطين المستهزئين وتأول إلى الهدى بزعمهم قال : إن قوله : { قل إن هدى الله هو الهدى } رد عليهم في زعمهم فليس ما زعموه صحيحاً وليس بهدي بل هو نفسه كفر وضلال ، وإنما الهدى هدى الله وهو الإيمان ، ومن قال : إن «الأصحاب » هم على الطريق المدعو إليها وإن المؤمنين الداعين للمرتدين شبهوا بهم وإن الهدى هو هدى على حقيقته يجيء على قوله : { قل إن هدى الله } بمعنى أن دعاء الأصحاب وإن كان إلى هدى فليس بنفس دعائهم تقع الهداية وإنما يهتدي بذلك الدعاء من هداه الله تعالى بهداه ، { وأمرنا لنسلم } اللام لام كي{[4972]} ومعها أن مقدرة ، ويقدر مفعول ل { أمرنا } مضمر تقديره وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان ونحو هذا ، فتقدير الجملة كلها وأمرنا بالإخلاص لأن نسلم ، ومذهب سيبويه في هذه أن { لنسلم } هو موضع المفعول وأن قولك : أمرت لأقوم وأمرت أن أقوم يجريان سواء ومثله قول الشاعر : [ الطويل ]

أردت لأنسى ذكرها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4973]}

إلى غير ذلك من الأمثلة ، «ونسلم » يعم الدين والاستسلام .


[4968]:- من الآية (37) من سورة (إبراهيم).
[4969]:- يروى البيت: "ما مؤمنوا الجن ككفارها" كما جاء في "البحر المحيط"
[4970]:-في بعض النسخ: "إلى الهدى دينا"، والذي أثبتناه عن نسخ أخرى يتفق مع ما في الطبري، وما في القرطبي، أما عبارة "البحر" فتختلف عن ذلك كله إذ يقول: "وفي مصحف عبد الله (أتينا) فعلا ماضيا لا أمرا، فـ [إلى الهدى] متعلق به، وفي "الدر المنثور" أن ابن جرير، وابن الأنباري أخرجا عن أبي إسحاق قال: "في قراءة عبد الله: (إلى الهدى بينا)".
[4971]:- من الآية (17) من سورة (الأحقاف).
[4972]:- قال النحاس: سمعت أبا الحسن بن كسيان يقول: هي لام الخفض، واللامات كلها ثلاث: لام خفض، ولام أمر، ولام توكيد، ولا يخرج شيء عنها.
[4973]:- سبق الكلام عن هذا البيت، وهو بتمامه: أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل قال أبو حيان: "وما ذكره ابن عطية عن سيبويه ليس كما ذكر، بل ذلك مذهب الكسائي والفراء. زعما أن لام (كي) تقع في موضع (أن) في أردت وأمرت، قال تعالى: {يريد الله ليبين لكم} {يريدون ليطفئوا} "أريد لأنسى"- وردّ عليهما أبو إسحاق، ثم ذكر مذهب سيبويه فارجع إليه في "البحر المحيط 4/159".