الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قل أندعوا من دون الله } هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله ، كمثل رجل ضل عن الطريق تائهاً ضالاً إذ ناداه مناد فلان بن فلان هلم إلى الطريق ، وله أصحاب يدعونه يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق ، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في هلكة ، وإن أجاب من يدعو إلى الهدى اهتدى إلى الطريق ، وهذه الداعية التي تدعو في البرية الغيلان . يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } يقول : أضلته وهم الغيلان ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكه وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { قل أندعوا من دون الله . . . } الآية . قال : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد . فقال الله { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } فهذه الآلهة { ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله } فيكون مثلنا { كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض } يقول : مثلكم إن كفرتم بعد الإِيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم ، فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة لمحمد ، ومحمد الذي يدعو إلى الطريق والطريق هو الإِسلام .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } قال : الأوثان . وفي قوله { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران } قالِ : رجل حيران يدعو أصحابه إلى الطريق ، فذلك مثل من يضل بعد إذ هدى .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كالذي استهوته الشياطين . . . } الآية . قال : هو الرجل الذي لا يستجيب لهدي الله ، وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وجار عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى يزعمون أن الذي يأمرونه به هدى الله ، ويقول الله ذلك لأوليائهم من الإِنس بقول { إن الهدى هدى الله } والضلالة ما يدعوا إليه الجن . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يخاصمون بها أهل الضلالة .

وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي إسحق قال : في قراءة عبد الله { كالذي استهواه الشيطان } .

وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحق قال : في قراءة عبد الله { يدعونه إلى الهدى بينا } .

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : في قراءة ابن مسعود { يدعونه إلى الهدى بينا } قال : الهدى الطريق ، أنه بين ، والله أعلم .