تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

الآية 71 وقوله تعالى : { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } يحتمل هذا وجوها :

[ أحدها ]{[7252]} : أن يكون أولئك الكفرة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى عبادة الأصنام التي كانوا يعبدونها ، فقال عند ذلك : أنعبد من دون الله ما لا ينفعنا ، ولا يضرنا بعدما عبدنا الله الذي يملك نفعنا وضرنا .

والثاني{[7253]} : كان أهل الكفر يدعون أهل الإسلام إلى عبادة الأوثان التي كانوا يعبدونها إما طمعا بشيء يبذلونه{[7254]} ليرجعوا إلى عبادة الأصنام عن عبادة [ الله وإما ]{[7255]} تخويفا منهم لهم . فقال : { قل } يا محمد { قل أندعوا من دون الله ما لا } يملك نفعنا ، إن عبدناه ، ولا يملك ضرنا ، إن تركنا عبادته .

وعن{[7256]} ابن عباس رضي الله عنه [ أنه قال ]{[7257]} { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } هذا مثل ضربه الله للأصنام التي عبدوها دون الله ومن يدعو إليها ، وللدعاة الذين يدعون إلى الله وإلى عبادته كمثل رجل ضل به الطريق ؛ فإنه ضال ، إذا ناداه مناد : يا فلان ابن فلان ، هلم إلى الطريق .

وقوله تعالى : { ونرد على أعقابنا } في الكفر والشرك { بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب } يقول : مثلهم ، إن كفروا بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم ؛ يقولون { ائتنا } فإنا على الطريق . قال : فلم يأتهم . فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة بمحمد . ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعوهم إلى الطريق ، وهو الهدى .

ويحتمل أن يكون المثل الذي ضربه من وجه آخر ؛ وهو أن مثل هؤلاء كمثل من كان في بعض المفاوز والبراري ، فضل الطريق ، فذهب به الغيلان حتى أوقعوا في الهلكة ، وهو الذي تقدم ذكره .

ويشبه أن يكون قوله : { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا } أنه ما من أحد من مشرك ومؤمن إلا وله أصحاب يدعونه . أما المؤمن فله أصحاب من الملائكة { يدعونه إلى الهدى } والكافر [ تدعوه الشياطين ]{[7258]} إلى الشرك . هذا أشبه أن يحمل عليه .

لكن أهل التأويل حملوا على ما ذكرنا ؛ قال قتادة : هذه خصومة ، علمها الله محمدا يخاصم بها أهل الشرك ؛ لأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك . قال ابن عباس رضي الله عنه : استهوته : أضلته . قال أبو عوسجة : أي ذهبت به ، استهوته ، وأهوته ، واحد ، أي دعته إلى الهلكة ، وقيل : أضلته .

وقوله تعالى : { ونرد على أعقابنا } أي نرجع عن الإيمان إلى الشرك بعد أن هدانا الله .

وقوله تعالى : { قل إن هدى الله هو الهدى } قيل : بيان الله هو الهدى{[7259]} ، وقيل : إن دين الله ، هو الهدى{[7260]} .

وقوله تعالى : { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } قيل : هذا صلة قوله : { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين } .


[7252]:- في الأصل وم: يحتمل.
[7253]:- في الأصل وم: أو.
[7254]:- في الأصل وم: يبذلونهم.
[7255]:- في الأصل: أو، في م: الله أو.
[7256]:- هذا هو الوجه الثالث.
[7257]:- ساقطة من الأصل وم.
[7258]:- في الأصل وم: يدعونه.
[7259]:-في الأصل وم: البيان
[7260]:- أدرج بعدها في الأصل وم: وهو الدين.