فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

قوله : { قُلْ أَنَدْعُوا مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة ، والاستفهام للتوبيخ ، أي كيف ندعوا من دون الله أصناماً لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعاً ، ولا نخشى ضرّها بوجه من الوجوه ، ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة { وَنُرَدُّ على أعقابنا } عطف على " ندعوا " . والأعقاب : جمع عقب ، أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها . قال أبو عبيدة : يقال لمن ردّ عن حاجته ولم يظفر بها : قد ردّ على عقبيه . وقال المبرّد :

تعقب بالشر بعد الخير *** . . .

وأصله من المعاقبة والعقبى ، وهما ما كان تالياً للشيء واجباً أن يتبعه ، ومنه { والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ } ، ومنه عقب الرجل ، ومنه العقوبة ، لأنها تالية للذنب .

قوله : { كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض } هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه . وقال الزجاج : هو من هوي النفس ، أي زين له الشيطان هواه ، و { استهوته الشياطين } هوت به ، والكاف في { كالذي } إما نعت مصدر محذوف ، أي نردّ على أعقابنا ردّاً كالذي ، أو في محل نصب على الحال من فاعل نردّ ، أي نردّ حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين ، أي ذهبت به مردة الجنّ بعد أن كان بين الإنس .

قرأ الجمهور { استهوته } وقرأ حمزة { استهواه } على تذكير الجمع . وقرأ ابن مسعود والحسن { استهواه الشيطان } وهو كذلك في قراءة أبيّ ، و{ حَيْرَانَ } حال ، أي حال كونه متحيراً تائهاً لا يدري كيف يصنع ؟ والحيران : هو الذي لا يهتدي لجهة ، وقد حار حيرة وحيرورة : إذا تردّد ، وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائراً .

قوله : { لَهُ أصحاب يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى } صفة لحيران ، أو حالية ، أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له : ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم . قوله : { قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى } أمره الله سبحانه بأن يقول لهم : { إِنَّ هُدَى الله } أي دينه الذي ارتضاه لعباده { هُوَ الهدى } وما عداه باطل { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } { وَأُمِرْنَا } معطوف على الجملة الإسمية ، أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله ، واللام في { لِنُسْلِمَ } هي لام العلة ، والمعلل هو الأمر ، أي أمرنا لأجل نسلم لربّ العالمين . وقال الفراء : المعنى أمرنا بأن نسلم ، لأن العرب تقول أمرتك لتذهب ، وبأن تذهب بمعنى . وقال النحاس : سمعت ابن كيسان يقول : هي لام الخفض .

/خ73