الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

قوله : { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا } الآية [ 71 ] .

قرأ ابن مسعود ( استهواه الشيطان ){[20381]} وعن الحسن : ( استهوته{[20382]} الشَّياطون{[20383]} بالواو ، وهو لحن{[20384]} .

ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء العادلين ، واحْتَجَّ عليهم ، فقل : أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ، أي : أندعو خشبا وحجرا لا يقدر على نفع ولا ضر ، { ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله } أي : نرجع القهقري ، إن فعلنا ذلك – والعرب تقول لكل من لم يظفر بحاجته : ( قد رُدَّ على عقبيه ){[20385]} فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين ، أي : زينت له هواه ، ( { حيران } أي ){[20386]} في ( حال ){[20387]} حيرته{[20388]} .

{ له أصحاب{[20389]} } : أي : لهذا الحيران – الذي على غير محجة – أصحاب يدعونه إلى الهدى : ائتنا{[20390]} . وهذا مثل ضربه الله لمن كفر بعد إيمانه فاتبع الشياطين من أهل الشرك بالله ، وأصحابه – الذين كانوا معه على الهدى – يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه ، وهو يأبى ذلك{[20391]} .

وقيل : ( هو ){[20392]} في أبي بكر ( الصديق ){[20393]} رضي الله عنه وزوجته كانا يدعوان ابنهما عبد الرحمن{[20394]} إلى الإسلام{[20395]} .

ومعنى { ائتنا } أطعنا{[20396]} ، والمعنى : أن ائتنا{[20397]} .

قال السدي : قال المشركون للمسلمين : اتبعوا ديننا واتركوا دين محمد ، فقال الله : { قل أندعوا من دون الله } الآية ، فمثلكم – إن كفرتم بعد الإيمان – كمثل رجل كان مع قوم على طريق ، فَضَّل الطريق ، فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق يدعونه إليهم ، يقولون : ( ائتنا ، فإنا على الطريق ) ، فأبى أن يأتيهم ، والطريق هو الإسلام{[20398]} .

وروي عن ابن عباس أن المعنى : أنه مثل لرجل{[20399]} أطاع الشياطين{[20400]} ، وحاد عن الحق وله أصحاب على غير هدى يدعونه ويزعمون أن ذلك هو الهدى ، فأكذبهم الله وقال : { قل } يا محمد ، { إن هدى الله هو الهدى }{[20401]} ، وقل{[20402]} : أُمِرنا كي نسلم لرب العالمين{[20403]} ، أي : نخضع له ونطيعه{[20404]} .

{ حيران } : تمام عند جميعهم{[20405]} . وقال نصير{[20406]} : { في الأرض } التمام ، ورُدّ َ ذلك عليه ، لأن ( حيران ) منصوب على الحال{[20407]} .


[20381]:(كلهم قرأ (استهوته الشياطين) بالتاء، غير حمزة فإنه قرأ (استهواه) بالألف ويميلها): السبعة 260.
[20382]:ب: استهواه.
[20383]:ب: (الشيطان وعن الحسن استهواه الشيطان). ج: (الشياطين وعن الحسن استهوته الشيطان). د: الشيطان.
[20384]:انظر: إعراب النحاس 1/556، والقراءتان في مختصر ابن خالويه 38 وفيه: أن الأعمش قرأها كابن مسعود أيضا، وفي إتحاف فضلاء البشر 2/17 نسب القراءة الأولى إلى المطوعي.
[20385]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/196.
[20386]:ج د: حين ارى.
[20387]:ساقطة من د.
[20388]:ب: حبرته. وانظر: تفسير الطبري 11/450، 451، وانظر: معاني الزجاج 2/262، وإعراب النحاس 1/556.
[20389]:ج د: أصحاب يدعونه.
[20390]:انظر: تفسير الطبري 11/451.
[20391]:انظر: تفسير الطبري 11/451.
[20392]:ساقطة من ج د.
[20393]:ساقطة من ب ج د.
[20394]:هو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، شقيق عائشة، أخّر إسلامه إلى قبيل الفتح، شهد اليمامة والفتوح. انظر: التقريب 1/474، وطبقات ابن خياط 18.
[20395]:هو قول الفراء في معانيه 1/339، وانظر: غريب ابن قتيبة 155، ومعاني الزجاج 2/262.
[20396]:هو قول الفراء في معانيه 1/339.
[20397]:صوبه الفراء في معانيه 1/339، وذكره النحاس في إعرابه 1/556.
[20398]:انظر: تفسير الطبري 11/452.
[20399]:ج د: رجل.
[20400]:ب ج د: الشيطان.
[20401]:انظر: تفسير الطبري 11/454.
[20402]:ب ج د: قال.
[20403]:انظر: معاني الأخفش 492، وإعراب النحاس 4/556.
[20404]:انظر: تفسير الطبري 11/457.
[20405]:رواه النحاس (عن نافع وأبي حاتم وأحمد بن موسى) في القطع 307.
[20406]:ب: تصير. وهو أبو المنذر نصير بن يوسف الرازي ثم البغدادي النحوي، ثقة ضابط عالم بالقراءات. توفي سنة 240 هـ. انظر: الغاية 2/340، 341.
[20407]:انظر: القطع 307.