فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسۡتَهۡوَتۡهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِي ٱلۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلۡهُدَى ٱئۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (71)

{ قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين 71 وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون 72 } .

{ قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة ، والاستفهام للتوبيخ أي كيف ندعو من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجوه إن أردنا منها نفعا ، ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه ، ومن كل هكذا فلا يستحق للعبادة .

{ ونرد على أعقابنا } جمع عقب أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها ، قال أبو عبيدة : يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه ، وقال المبرد : تعقب بالشر بعد الخير ، وأصله من المعاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه ، ومنه { والعاقبة للمتقين } ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لأنها تالية للذنب .

{ بعد إذ هدانا الله } إلى دين الإسلام والتوحيد { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه ، قال الزجاج : هو من هوى النفس أي زين له الشيطان هواه واستهوته الشياطين هوت به أي نرد حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين ، أي ذهبت به مردة الجن فألقته في هوية من الأرض بعد أن كان بين الإنس ، وعلى هذا أصله من الهوى وهو النزول من أعلى إلى أسفل .

{ حيران } أي حال كونه متحيرا تائها لا يدري كيف يصنع ، والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة ، وقد يقال حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا .

{ له أصحاب يدعونه إلى الهدى } صفة لحيران أو حال أي له رفقة يقولون له { ائتنا } فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم وبقي حيران لا يدري أين يذهب .

{ قل } أمره سبحانه بأن يقول لهم { إن هدى الله } أي دينه الذي ارتضاه لعباده { هو الهدى } وما عداه باطل { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } { وأمرنا لنسلم } هي لام العلة والمعلل هو الأمر أي أمرنا لأجل أن نسلم ، قاله الزمخشري وقال الفراء : أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى ، وقال النحاس : سمعت ابن كسيان يقول هي لام الخفض وقيل زائدة .

{ لرب العالمين } لأنه هو الذي يستحق العبادة لا غيره