المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

21- وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا أهل المدينة عليهم ليعلم المطلعون أن وعد الله بالبعث حق ، وأن القيامة لا شك في إتيانها . فآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر ، ثم أمات الله الفتية فتنازعوا في شأنهم ، فقال بعضهم : ابنوا على باب الكهف بنياناً ونتركهم وشأنهم فربهم أعلم بحالهم ، وقال أصحاب الكلمة في القوم : لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي : أطلعنا عليهم الناس { لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا }

ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة . وقال عكرمة : كان منهم طائفة قد قالوا : تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد . فبعث الله أهل الكهف حجة{[18063]} ودلالة وآية على ذلك .

وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة ، في شراء شيء لهم ليأكلوه ، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة ، حتى انتهى إلى المدينة ، وذكروا أن اسمها دقسوس{[18064]} وهو يظن أنه قريب العهد بها ، وكان الناس قد تبدلوا قرنًا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة ، وتغيرت البلاد ومن عليها ، كما قال الشاعر :

أما الدّيارُ فَإنَّها كَديارهِم *** وَأرَى رجالَ الحَي غَيْرَ رجَاله

فجعل لا يرى شيئًا من معالم البلد التي يعرفها ، ولا يعرف أحدًا من أهلها ، لا{[18065]} خواصها ولا عوامها ، فجعل يتحير في نفسه ويقول : لعل بي جنونًا أو مسًا ، أو أنا حالم ، ويقول : والله ما بي شيء{[18066]} من ذلك ، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة . ثم قال : إن تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي . ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام ، فدفع إليه ما معه من النفقة ، وسأله أن يبيعه بها طعامًا . فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضَرْبها ، فدفعها إلى جاره ، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون : لعل هذا قد وجد كنزا . فسألوه عن أمره ، ومن أين له هذه النفقة ؟ لعله وجدها من كنز . ومن أنت ؟ فجعل يقول : أنا من أهل هذه المدينة{[18067]} وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس . فنسبوه إلى الجنون ، فحملوه إلى وليّ أمرهم ، فسأله عن شأنه وعن أمره حتى أخبرهم بأمره ، وهو متحير في حاله ، وما هو فيه . فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف : مُتَوَلّى البلد وأهلها ، حتى انتهى بهم إلى الكهف ، فقال : دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي ،

فيقال : إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه ، وأخفى الله عليهم خبره{[18068]} ويقال : بل دخلوا عليهم ، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم ، وكان مسلمًا فيما قيل ، واسمه تيدوسيس{[18069]} ففرحوا به وآنسوه بالكلام ، ثم ودعوه{[18070]} وسلموا عليه ، وعادوا إلى مضاجعهم ، وتوفاهم الله ، عز وجل ، فالله أعلم .

قال قتادة : غزا{[18071]} ابن عباس مع حبيب بن مسلمة ، فمروا بكهف في بلاد الروم ، فرأوا فيه عظامًا ، فقال قائل : هذه عظام أهل الكهف ؟ فقال ابن عباس : لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلاثمائة سنة . رواه ابن جرير .

وقوله : { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ }{[18072]} أي : كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم ، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان { لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } أي : في أمر القيامة ، فمن مثبت لها ومن منكر ، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } أي : سدوا عليهم باب كهفهم ، وذروهم على حالهم { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

حكى ابن جرير في القائلين{[18073]} ذلك قولين : أحدهما : إنهم المسلمون منهم . والثاني : أهل الشرك منهم ، فالله أعلم{[18074]}

والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ . ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " {[18075]} يحذر ما فعلوا . وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق ، أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده ، فيها شيء من الملاحم وغيرها .


[18063]:في ت: "وحجة".
[18064]:في ت: "دقوس".
[18065]:في ت، ف: "ولا".
[18066]:في ت: "شتى".
[18067]:في ت: "النفقة".
[18068]:في ت، ف: "خبرهم".
[18069]:في ت: "تيدرسين"، وفي ف: "بيدوسيس".
[18070]:في ت، ف: "دعوه".
[18071]:في ت: "وعن".
[18072]:في ت: "وعن".
[18073]:في ت: "القائل".
[18074]:في ت: "والله أعلم".
[18075]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1330) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

{ وكذلك أعثرنا عليهم } وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم . { ليعلموا } ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم . { أن وعد الله } بالبعث أو الموعود الذي هو البعث . { حق } لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث . { وان الساعة لا ريب فيها } وأن القيامة لا ريب في إمكانها ، فإن من توفى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين حافظا أبدانها عن التحلل والتفتت ، ثم أرسلنا إليها قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر أبدانهم فيردها عليها . { إذ يتنازعون } ظرف ل { أعثرنا } أي أعثرنا عليهم حين يتنازعون . { بينهم أمرهم } أمر دينهم ، وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين أنهما يبعثان معا ، أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانيا بالموت فقال بعضهم ، ماتوا وقال آخرون ناموا نومهم أول مرة ، أو قالت طائفة نبني عليهم بنيانا يسكنه الناس ويتخذونه قربة ، وقال آخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه كما قال تعالى : { فقالوا ابنُوا عليهم بُنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا } وقوله { ربهم أعلم بهم } اعتراض إما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين في زمانهم ، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكرا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك . حكي أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك -وكان نصرانيا موحدا- فقص عليه القصص ، فقال بعضهم : إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم ، ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليم مسجدا . وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولا لئلا يفزعوا ، فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا .