فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

{ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ( 21 ) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ( 22 ) } .

{ وكذلك } أي وكما أنمناهم وبعثناهم { أعثرنا } أي أطلعنا الناس { عليهم } وأظهرناهم وسمي الإعلام إعثارا لأن من كان غافلا عن شيء فعثر به نظر إليه وعرفه فكان الإعثار سببا لحصول العلم { ليعلموا } أي ليعلم الذين أعثرهم الله عليهم { أن وعد الله } بالبعث { حق } قيل وكان ملك زمانهم ممن ينكر البعث فأراه الله هذه الآية .

قيل وسبب الإعثار عليهم أن ذلك الرجل الذي بعثوه بالورق وكانت من ضربة دقيانوس إلى السوق فلما اطلع عليها أهل السوق اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به على الملك فقال له من أين وجدت هذه الدراهم ؟ قال : بعت بها أمس شيئا من التمر وخرجنا فرارا من الملك دقيانوس فعرف الملك صدقه ثم قص عليه القصة فركب الملك وركب أصحابه معه حتى وصلوا إلى الكهف .

{ و } ليعلموا { أن الساعة } أي القيامة { لا ريب فيها } أي لا شك في حصولها فإنا من شاهد حال أهل الكهف علم صحة ما وعد الله به من بعث الأرواح والأجساد جميعا وحشرها { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } أي أعثرنا عليهم وقت التنازع والاختلاف بين أولئك الذين أعثرهم الله في أمر البعث ، وقيل في أمر أصحاب أهل الكهف في قدر مكثهم وفي عددهم وفيما يفعلونه بعد أن اطلعوا عليهم ، وقيل قال المسلمون : نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا ، وقال المشركون : نبني عليهم بيعة لأنهم من أهل ملتنا .

{ فقالوا ابنوا عليهم بنيانا } لئلا يتطرق الناس إليهم كما حفظت تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحظيرة ، وذلك أن الملك وأصحابه لما وقفوا عليهم وهم أحياء أمات الله الفتية فقال بعضهم ابنوا عليهم بنيانا يسترهم عن أعين الناس ، وقيل يتنازعون متعلق بمحذوف هو اذكر .

ويؤيده أن الإعثار ليس في زمن التنازع بل قبله ويمكن أن يقال إن أولئك القوم ما زالوا متنازعين فيما بينهم قرنا بعد قرن منذ أووا إلى الكهف إلى وقت الإعثار ويؤيد ذلك أن خبرهم كان مكتوبا على باب الغار كتبه بعض المعاصرين لهم من المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم كما قاله المفسرون .

ثم قال سبحانه حاكيا لقول المتنازعين فيهم وفي عددهم وفي مدة لبثهم وفي نحو ذلك مما يتعلق بهم { ربهم أعلم بهم } من هؤلاء المتنازعين فيهم قالوا ذلك تفويضا للعلم إلى الله سبحانه ، وقيل هو من كلام الله سبحانه ردا لقول المتنازعين فيهم أي دعوا ما أنتم فيه من التنازع فإني أعلم بهم منكم والأول هو الظاهر قاله الكرخي .

{ قال الذين غلبوا على أمرهم } يعني يندوسيس وأصحابه قاله الخازن أي كانت الكلمة لهم وكان كلامهم هو النافذ لأن ملك الوقت كان من جملتهم وكان مؤمنا وأما الملك الذي خرجوا هاربين منه فقد مات في مدة نومهم { لنتخذن عليهم مسجدا } يصلي فيه المسلمون ويعتبرون بحالهم . وذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون ، وقيل هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم والأول أولى .

قال الزجاج هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور لأن المساجد للمؤمنين .