وكما أنمناهم وبعثناهم { أعثرنا عليهم } سمى الإعلام إعثاراً والعلم عثوراً لأن من كان غافلاً عن شيء فعثر به نظر إليه وعرفه وكان الإعثار سبباً لحصول العلم واليقين . وفي سبب الإعثار قولان : أحدهما أنه طالت شعورهم وأظفارهم طولاً مخالفاً للعادة وتغيرت بشرتهم فعرفوا بذلك . والأكثرون قالوا : إن ذلك الرجل لما ذهب بالورق إلى السوق وكانت دارهم دقيانوسية اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك فقال له : من أين وجدت هذه الدراهم ؟ قال : بعت به أمس شيئاً من التمر . فعرف الملك أنه ما وجد كنزاً وأن الله بعثه بعد موته فقص عليه القصة . ثم ذكر سبحانه غاية الإعثار فقال : { ليعلموا أن وعد الله حق } يروى أن ملك ذلك العصر من كان ينكر البعث إلا أنه كان مع كفره منصفاً فجعل الله أمر الفتية دليلاً للملك . وقيل : بل اختلفت الأمة في ذلك الزمان فقال بعضهم : الجسد والروح يبعثان جميعاً . وقال آخرون : الروح تبعث وأما الجسد فتأكله الأرض . ثم إن ذلك الملك كان يتضرع أن يظهر له آية يستدل بها على ما هو الحق في المسألة فأطلعه الله تعالى على أمر أصحاب الكهف حتى تقرر عنده صحة بعث الأجساد ، لأن انتباههم بعد ذلك النوم الطويل يشبه من يموت ثم يبعث . فالمراد بالتنازع هو اختلافهم في حقيقة البعث . والضمائر في قوله : { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } تعود إلى تلك الأمة . وقيل : أراد إذ يتنازع الناس بينهم أمر أصحاب الكهف ويتكلمون في قصتهم ، أو يتنازعون بينهم تدبير أمرهم حين توفوا كيف يخفون مكانهم وكيف يسدون الطريق إليهم . { فقالوا ابنوا } على باب كهفهم { بنياناً } يروى أنه انطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم وحمدوا الله على آياته الدالة على البعث . ثم قالت الفتية للملك : نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى الله أنفسهم ، فألقى الملك عليهم ثيابه وأمر فجعل لكل واحد تابوتاً من ذهب فرآهم في المنام كارهين للذهب ، فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجداً . فيكون فيه دليل على أن أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله تعالى ومعترفين بالعبادة والصلاة ، وقيل : إن الكفار قالوا : إنهم كانوا على ديننا ونتخذ عليهم بنياناً ، والمسلمين قالوا : بل كانوا على ديننا فنتخذ عليهم مسجداً ، وقيل : إنهم تنازعوا في عددهم وأسمائهم . قال جار الله : { ربهم أعلم بهم } من كلام المتنازعين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ، فلما لم يهتدوا إلى حقيقته قالوا ذلك ، أو هو من كلام الله عز وجل رد القول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين ، أو من الذين تنازعوا عوافيهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب . والذين غلبوا على أمرهم المسلمون وملكهم المسلم لأنهم بنوا عليهم مسجداً يصلى فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم وكانوا أولى بهم بالبناء عليهم حفظاً لتربتهم بها وضناً بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.