تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

الآية21 : وقوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } اختلف في قوله : { وكذلك } قال بعضهم : كما أخرج المبعوث لشراء الطعام من الكهف مع الورق المتقدم ضربها ، فكان ذلك سبب إعلام أهل المدينة عن الفتية : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي أطلعنا عليهم .

وقال بعضهم : كما أعلم عن أنباء الفتية وأصحاب الكهف وقصصهم من أولها إلى آخرها { وكذلك أعثرنا عليهم } أي أطلعنا عليهم ، والله أعلم .

وجائز أن يكون قوله : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي كما ضرب على آذانهم ( وأنامهم مدة طويلة ){[11486]} { وكذلك أعثرنا عليهم } ليعلموا أن ما وعد لهم الرسل عن الله حق .

ثم اختلف في إطلاعهم عليهم : قال بعضهم : أطلع الله الملك الذي هربوا منه أهل المدينة بعدما أنامهم ، لكن حيل بينهم وبين أولئك .

وقال بعضهم : أطلعهم قبل أن يُنِيَمَهُم ، فَحِيل بينهم وبينهم ، فسدوا باب الكهف ، فبقوا هنالك ، ثم أنامهم بعد ذلك ما ذكر ، فهلك ذلك الملك ، وانقرضت تلك القرون ، ثم وُلِّيَ ملك آخر مسلم صالح ، ثم أطلع ذلك الملك عليهم .

وأمثال ذلك قد قالوا ، فلا ندري كيف كانت القصة ؟ وفي ظاهر الآية أنه اطلع عليهم بعد ما أنامهم ، وبعثهم . وليس فيه بيان أنه

من أطلع عليهم ؟ الملك الأول أو الثاني : أو القوم أو غيرهم ؟ ولا يجوز أن يقطع فيه القول : إنه فلان لأن هذه الأنباء ذكرت{[11487]} في القرآن حجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلو قُطِعَ القول على شيء ، أو زيد ، أو نقص عما كان في كتبهم خرجت من أن تكون حجة له .

وقوله تعالى : { ليعلموا أن وعد الله حق } يحتمل وجهين :

أحدهما{[11488]} : يشبه أن يكون الرسل من قبل كانوا يخبرون قومهم أن نفرا يهربون من ملكهم إشفاقا على دينهم ، ويلتجئون إلى الكهف ، فينامون كذا وكذا{[11489]} سنة ، ثم يبعثون . فأكذبهم قومهم بما أخبروا قومهم من أنبائهم ، فقال : { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق } أن ما وعد الرسل ، وأخبرهم من نبإ أصحاب الكهف حق .

والثاني : يحتمل أن يكونوا ينكرون البعث والساعة ، والرسل يخبرون أنهم يبعثون ، فأطلع على أولئك ليعلموا أن البعث والقيامة حق ، لأن الأعجوبة في إبقاء أنفاس أصحاب الكهف في نومهم ثلاث مائة سنة أو ستة أو أكثر بلا غذاء يغتذون ولا طعام يطعمون ولا شيء تقوم به الأنفس إن لم تكن أكثر وأعظم من إحياء الموتى وجمع العظام الناخرة البالية فلا{[11490]} تكون دونه لما لم يروا الأنفس تبقى أياما بلا غذاء فضلا أن تبقى سنين كثيرة مائة سنة أو أكثر . فبعث هؤلاء ليعلم من أنكر البعث ( أن ){[11491]} من قدر على إبقاء الأنفس مدة مديدة طويلة بلا غذاء تغتذي قادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد الموت .

أو أن يكون ما ذكرنا بدءا أن الرسل السالفة كأنهم أخبروا قومهم عن قصة أصحاب الكهف ، فكذبوهم ، فأطلع الله نبأهم وخبرهم ليعلم أولئك أن الذي أخبرهم الرسل حق وصدق ، والله أعلم .

ثم إن هذه الأنباء والقصص المتقدمة ذكرت في القرآن حجة لرسول الله ودلالة في إثبات رسالته . فلا يجوز أن يُقطع القول في شيء لن يبين فيه ، ولم يوضح ، ولم يفسر ، لما يخاف فيه الكذب على الله أو{[11492]} الزيادة والنقصان على ما ذكر فيه لما لعلها تخرج مخالفة لما ذكرت في كتبهم ، فلا تكون له حجة ولا دلالة .

فإن قيل : كيف يعلموا أن ما أخبرهم الرسل ويخبرونهم إنما هو اختراع منهم ، لا وعد من الله وخبر عنه ؟ قيل : علموا أن ذلك حق بوجوه .

أحدها : ما رأوا من الدراهم التي كانت في يدي المبعوث بشراء الطعام من الضرب المتقدم ، وإن كان يجوز أن تكون تلك الدراهم/315-أن كنز أصاب ذلك الرجل لا من دراهم أصحاب الكهف . فإذا صدقوا ذلك الرجل في ما أخبر أنها من دراهم أصحاب الكهف ، فتصديق الرسل أولى ، وخبرهم أحق أن يصدق .

والثاني : علموا لما رأوا انه أنامهم مدة طويلة خارجة عن العدة ، وحفظهم من كل ضرر{[11493]}وأذى وفساد ، وأبقاهم من غير طعام ولا شراب على علم منهم أن الأنفس لا تبقى ، ولا تقوم بغير طعام ولا شراب بدون تلك المدة بكثير فضلا أن تبقى إلى مثل تلك المدة . فعلموا إن مََنْ قَدَرَ على حفظ ما ذكرنا وإبقائهم لقادر على البعث والإحياء ولا يعجز{[11494]}عن شيء يريد كونه ، وأنه فعال لما يريد .

والثالث : علموا أن ذلك حق لما رأوا أنه أنامهم وقتا طويلا وحفظهم من جميع الآفات ثم بعثهم وأحياهم وأنه لم ينيمهم ولم يبعثهم إلا لعاقبة تتأمل وحكمة تقصد ، فعلى ذلك إحياء الخلق وإماتتهم ، ليس إلا لعاقبة تتأمل وحكمة والله أعلم{[11495]} .

وقوله تعالى : { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } لسنا ندري في ماذا تنازعوا في أمرهم في ما بينهم .

وقوله تعالى : { فقالوا ابنوا عليهم بنيانا } يحتمل أنه{[11496]} تنازعوا ف( ي السبب الذي به التجئوا إلى الكهف .

ويشبه أن يكون تنازعهم في البناء الذي ذكر في المسجد وغيره ، ويحتمل في عددهم ونحوه .

ولكن لا نقطع القول فيه إذ وكلوا{[11497]} أمرهم إلى الله حين قالوا : { ربهم أعلم بهم } .

وقوله تعالى : { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم

مسجدا } يحتمل بناء المسجد عليهم إكراما لهم وإعظاما ليذكروهم في ذلك المكان على قرب منهم على ما ظهر عندهم من إكرام الله إياهم ( ويحتمل أن يتخذوا أنفسهم مسجدا للعبادة ){[11498]} ليعبدوا الله على قرب منهم لينالوا من بركتهم ( ونحو ذلك ){[11499]} ، والله أعلم .


[11486]:ساقطة من الأصل و.م.
[11487]:في الأصل و.م: ذكر.
[11488]:ساقطة من الأصل و.م.
[11489]:من م، في الأصل: كذا.
[11490]:الفاء ساقطة من الأصل و م.
[11491]:ساقطة من الأصل و.م.
[11492]:في الأصل و.م: ولا.
[11493]:من م، في الأصل:ضرب.
[11494]:في الأصل و.م:يعجزه.
[11495]:من م، في الأصل:فعلى ذلك.
[11496]:في الأصل و.م:أو.
[11497]:في الأصل و.م: وكل.
[11498]:في الأصل و.م: أو يتخذان مسجدا للعبادة أنفسهم.
[11499]:في الأصل و.م: ونحوه.