يقول تعالى آمرًا عباده أن يُوَحِّدوه في مجال عبادته ، ولا يُدْعى معه أحد ولا يشرك به{[29381]} كما قال قتادة في قوله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعِهِم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين : حدثنا إسماعيل بن بنت السدي ، أخبرنا رجل سماه ، عن السدي ، عن أبي مالك - أو أبي صالح - عن ابن عباس في قوله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ، ومسجد إيليا : بيت المقدس .
وقال الأعمش : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك . فأنزل الله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } يقول : صلوا ، لا تخالطوا الناس .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمود عن سعيد بن جبير : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } قال : قالت الجن لنبي{[29382]} الله صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [ عنك ]{[29383]} ؟ وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } {[29384]}
وقال سفيان ، عن خُصَيْف ، عن عكرمة : نزلت في المساجد كلها .
وقال سعيد بن جبير . نزلت في أعضاء السجود ، أي : هي لله فلا تسجدوا بها لغيره . وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح ، من رواية عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة - أشار{[29385]} بيديه إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين " {[29386]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللّهِ أَحَداً * وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ وَأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا أيها الناس مَعَ اللّهِ أحَدا ولا تشركوا به فيها شيئا ، ولكن أفردوا له التوحيد ، وأخلصوا له العبادة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه أن يوحّد الله وحده .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمود ، عن سعيد بن جُبير وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ قال : قالت الجنّ لنبيّ الله : كيف لنا نأتي المسجد ، ونحن ناؤون عنك ، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟ فنزلت : وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن عكرِمة وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ قال : المساجد كلها .
اتفق القراء العشرة على فتح الهمزة في { وأن المساجد لله } فهي معطوفة على مرفوع { أوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن } [ الجن : 1 ] ، ومضمونها مما أوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأُمر بأن يقوله . والمعنى : قل أوحي إلي أن المساجد لله ، فالمصدر المنسبك مع { أنَّ } واسمها وخبرها نائب فاعل { أُوحي } [ الجن : 1 ] .
والتقدير : أوحي إلي اختصاص المساجد بالله ، أي بعبادته لأن بناءها إنما كان ليعبد الله فيها ، وهي معالم التوحيد .
وعلى هذا الوجه حمل سيبويه الآية وتبعه أبو علي في « الحُجة » .
وذهب الخليل أن الكلام على حذف لام جر قبل { أنّ } ، فالمجرور مقدم على متعلَّقه للاهتمام . والتقدير : ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً .
واللام في قوله { لله } للاستحقاق ، أي الله مستحقها دون الأصنام والأوثان فمن وضع الأصنام في مساجد الله فقد اعتدى على الله .
والمقصود هنا هو المسجد الحرام لأن المشركين كانوا وضعوا فيه الأصنام والأنصاب وجعلوا الصنم ( هُبَل ) على سطح الكعبة ، قال تعالى : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } [ البقرة : 114 ] يعني بذلك المشركين من قريش .
وهذا توبيخ للمشركين على اعتدائهم على حق الله وتصرفهم فيما ليس لهم أن يغيروه قال تعالى : { وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه } [ الأنفال : 34 ] ، وإنما عبر في هذه الآية وفي آية { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } [ البقرة : 114 ] بلفظ { مساجد } ليدخل الذين يفعلون مثل فعلهم معهم في هذا الوعيد ممن شاكلهم ممن غيّروا المساجد ، أو لتعظيم المسجد الحرام ، كما جُمع { رسلي } في قوله : { فكذبوا رسلي فكيف كان نكير } [ سبأ : 45 ] ، على تقدير أن يكون ضمير { كذبوا عائداً إلى الذين كفروا في قوله : { وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلاّ سحر مبين } [ سبأ : 43 ] أي كذبوا رسولي .
ومنه قوله تعالى : { وقوم نوح لما كذَّبوا الرسل أغرقناهم } [ الفرقان : 37 ] يريد نوحاً ، وهو أول رسول فهو المقصود بالجمع .
وفرع على اختصاص كون المساجد بالله النهي عن أن يدعوا مع الله أحداً ، وهذا إلزام لهم بالتوحيد بطريق القول بالموجَب لأنهم كانوا يزعمون أنهم أهل بيت الله فعبادتهم غير الله منافية لزعمهم ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.