المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

110- وإنكم لا تدرون أيضاً أننا نقلب قلوبهم عند مجيء الآيات بالخواطر والتأويلات ، ونقلب أبصارهم بتوهم التخيلات ، فيكونون بعد الآيات كحالهم قبلها ، وندعهم في ظلمهم وعنادهم يتخبطون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

وقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قال العَوفي عن ابن عباس في هذه الآية : لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء ورُدَّت عن كل أمر .

وقال مجاهد : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ] }{[11052]} ونحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية ، فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة .

وكذا قال عِكْرِمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه قال : أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه . قال : { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، [ وقال ]{[11053]}

{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ ]{[11054]} لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الزمر : 56 - 58 ] فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى ، وقال : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] ، وقال { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا . وقوله : { وَنَذَرُهُمْ } أي : نتركهم { فِي طُغْيَانِهِمْ }{[11055]} قال ابن عباس والسُّدِّي : في كفرهم . وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة : في ضلالهم .

{ يَعْمَهُونَ } قال الأعمش : يلعبون . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والربيع ، وأبو مالك ، وغيره : في كفرهم يترددون .


[11052]:زيادة من أ.
[11053]:زيادة من أ.
[11054]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[11055]:في م، أ: "في طغيانهم يعمهون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوّلَ مَرّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } .

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لو أنا جئناهم بآية كما سألوا ما آمنوا كما لم يؤمنوا بما قبلها أوّل مرّة ، لأن الله حال بينهم وبين ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَنُقَلّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ كما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوّلَ مَرّة . . . الاَية ، قال : لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء ورُدّت عن كلّ أمر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَنُقَلّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ قال : نمنعهم من ذلك كما فعلنا بهم أوّل مرّة . وقرأ : كما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوّلَ مَرّة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَنُقَلّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ قال : نحول بينهم وبين الإيمان ، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أوّل مرّة .

وقال آخرون : معنى ذلك : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو ردّوا من الاَخرة إلى الدنيا ، فلا يؤمنون كما فعلنا بهم ذلك ، فلم يؤمنوا في الدنيا . قالوا : وذلك نظير قوله : وَلَوْ رُدّوا لعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه ، قال : وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلَ خَبِير : إنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَإنْ كنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ أوُ تَقُولَ لَوْ أنّ اللّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ المُتّقِينَ أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَوْ أنّ لي كَرّةً فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ يقول : من المهتدين . فأخبر الله سبحانه ، أنهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون ، وقال : وَنُقَلّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ كما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوّلَ مَرّة قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّة وهم في الدنيا .

وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله جلّ ثناؤه أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها ، أنه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرّفها كيف شاء ، وأن ذلك بيده يقيمه إذا شاء ويزيغه إذا أراد ، وأنّ قوله : كما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوّلَ مَرّة دليل على محذوف من الكلام ، وأن قوله «كما » تشبيه ما بعده بشيء قبله . وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون معنى الكلام : ونقلب أفئدتهم فنزيغها عن الإيمان ، وأبصارهم عن رؤية الحقّ ومعرفة موضع الحجة ، وإن جاءتهم الاَية التي سألوها فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبل مجيئها مرّة قبل ذلك . وإذا كان ذلك تأويله كانت الهاء من قوله : كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ كناية ذكر التقليب .

القول في تأويل قوله تعالى : وَنَذَرُهُمْ فِي طُغيانِهِمْ يَعْمَهُونَ .

يقول تعالى ذكره : ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها عند مجيئها في تمرّدهم على الله واعتدائهم في حدوده ، يتردّدون لا يهتدون لحقّ ولا يبصرون صواباً ، قد غلب عليهم الخذلان واستحوذ عليهم الشيطان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (110)

{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } عطف على لا يؤمنون أي : وما يشعركم أنا حينئذ يقلب أفئدتهم عن الحق فلا يفقهونه ، وأبصارهم فلا ينصرونه فلا يؤمنون بها . { كما لم يؤمنوا به } أي بما أنزل من الآيات . { أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون } وندعهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين . وقرئ . " ويقلب " و " يذرهم " على الغيبة ، و " تقلب " على البناء للمفعول والإسناد إلى الأفئدة .