المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

92- واليوم الذي هلكت فيه نُخرج جثتك من البحر ، ونبعثها لتكون عظة وعبرة لمن كانوا يعبدونك ، ولا ينتظرون لك مثل هذه النهاية المؤلمة المخزية ، ولكن كثيراً من الناس يغفلون عن البينات الباهرة في الكون التي تثبت قدرتنا{[92]} .


[92]:يظهر أن الآية الكريمة تشير إلى أن جسم فرعون سيبقى محفوظا ليراه الناس ويعتبروا برؤية ذلك الحطام الرميم لمن كان يعتبر نفسه إلها، ويقول لقومه الخانعين ليس لكم من إله غيري. هذا ويلاحظ أن خروج بني إسرائيل من مصر قد وقع في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عهد أحد فراعنة الأسرة التاسعة عشرة وهو منفتاح بن رمسيس الثاني الذي سخر بني إسرائيل في بناء عاصمة ملكه. وقد دلت الكشوف التاريخية الحديثة على أن اسم هذه المدينة المطمورة "بورعمسس" وكان خروج بني إسرائيل مع موسى للدعوة إلى الوحدانية، ولخلع ربقة فرعون الذي يسخرهم ويذيقهم سوء العذاب، أليس هذا دليلا على أنه من عبد الله؟
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

وقوله : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } قال ابن عباس وغيره من السلف : إن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون ، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده{[14397]} بلا روح ، وعليه درعه المعروفة [ به ]{[14398]} على نجوة{[14399]} من الأرض وهو المكان المرتفع ، ليتحققوا موته وهلاكه ؛ ولهذا قال تعالى : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ } أي : نرفعك على نَشز{[14400]} من الأرض ، { بِبَدَنِك } قال مجاهد : بجسدك . وقال الحسن : بجسم لا روح فيه . وقال عبد الله بن شداد : سويا صحيحا ، أي : لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه . وقال أبو صخر : بدرعك{[14401]}

وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها ، كما تقدم ، والله أعلم .

وقوله : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي : لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك ، وأن الله{[14402]} هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف : " لِتَكُونَ لِمَنْ خَلَقَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " {[14403]} أي : لا يتعظون{[14404]} بها ، ولا يعتبرون . وقد كان [ إهلاك فرعون وملئه ]{[14405]} يوم عاشوراء ، كما قال البخاري :

حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غُنْدَر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينَة ، واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أنتم أحق بموسى منهم ، فصوموه " {[14406]}


[14397]:- في ت ، أ : "بجسده سويا".
[14398]:- زيادة من ت ، أ.
[14399]:- في ت : "نحوه".
[14400]:- في ت : "يرفعك على بشر".
[14401]:- في ت : "تذرعك".
[14402]:- في ت : "وأنه تعالى".
[14403]:- في ت : "الغافلون".
[14404]:- في ت : "يتعضون".
[14405]:- زيادة من ت ، أ.
[14406]:- صحيح البخاري برقم (4680).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ} (92)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنّ كَثِيراً مّنَ النّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لفرعون : فاليوم نجعلك على نجوة الأرض ببدنك ، ينظر إليك هالكا من كذّب بهلاكك . لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول : لمن بعدك من الناس عبرة بعتبرون بك ، فينزجرون عن معصية الله والكفر به والسعي في أرضه بالفساد . والنجوة : الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض ، ومنه قوله أوس بن حجر :

فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ *** والمُسْتَكِنّ كمَنْ يَمْشِي بِقرْوَاحِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد وغيره قال : قالت بنو إسرائيل لموسى : إنه لم يمت فرعون . قال : فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد الجريري ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس ، أو أحدث الناس عن بني إسرائيل . قال : فحدثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر هابت الخيل اللهب ، قال : ومثل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها أحسبه أنا قال : فانسل فاتبعته قال : فلما تتامّ آخر جنود فرعون في البحر وخرج آخر بني إسرائيل أمر البحر فانطبق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون ، وما كان ليموت أبدا فسمع الله تكذيبهم نبيه . قال : فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر يتراءآه بنو إسرائيل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن عبد الله بن شداد : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ قال : بدنه : جسده رمى به البحر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن مجاهد : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ قال : بجسدك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا الأصغر بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما جاوز موسى البحر بجميع من معه ، التقى البحر عليهم يعني على فرعون وقومه فأغرقهم ، فقال أصحاب موسى : إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ، ولا نؤمن بهلاكه فدعا ربه فأخرجه ، فنبذه البحر حتى استيقنوا بهلاكه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول : أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل ، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً قال : لما أغرق الله فرعون لم تصدق طائفة من الناس بذلك ، فأخرجه الله آية وعظة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن التيمي ، عن أبيه ، عن أبي السليل عن قيس بن عباد أو غيره ، بنحو حديث ابن عبد الأعلى ، عن معمر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ قال : بجسدك .

قال : حدثنا محمد بن بكير ، عن ابن جريج ، قال : بلغني ، عن مجاهد : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ قال : بجسدك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون ، فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل ، قال : كأنه ثور أحمر .

وقال آخرون : تنجو بجسدك من البحر فتخرج منه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول : أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر ، فنظروا إليه بعد ما غرق .

فإن قال قائل : وما وجه قوله : ببدنك ؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه ، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه ببدنك ؟ قيل : كان جائزا أن ينجيه بالبدن بغير روح ، ولكن ميتا .

وقوله : وإنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ يقول تعالى ذكره : وإنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنَا يعني : عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصة ، لغَافِلُونَ يقول : لساهون ، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها .