المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

180- وللَّه - دون غيره - الأسماء الدالة على أكمل الصفات ، فأجروها عليه دعاء ونداء وتسمية ، وابتعدوا عن الذين يميلون فيها إلى ما لا يليق بذاته العلية وإنهم سيُجْزُون جزاء أعمالهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " .

أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عنه{[12418]} رواه البخاري ، عن أبى اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي الزناد به{[12419]} وأخرجه الترمذي ، عن الجوزجاني ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن شعيب فذكر بسنده مثله ، وزاد بعد قوله : " يحب الوتر " : هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفوّ ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور{[12420]}

ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[12421]} ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث .

ورواه ابن حبان في صحيحه ، من طريق صفوان ، به{[12422]} وقد رواه ابن ماجه في سننه ، من طريق آخر{[12423]} عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعا{[12424]} فسرد الأسماء كنحو ما تقدم بزيادة ونقصان .

والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن زهير بن محمد : أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ، أي : أنهم جمعوها من القرآن كما رود{[12425]} عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي ، والله أعلم .

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين{[12426]} بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سلمة الجهني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أعلمته{[12427]} أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا " . فقيل : يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : " بلى ، ينبغي لكل من سمعها{[12428]} أن يتعلمها " .

وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه بمثله{[12429]}

وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتابه : " الأحوذي في شرح الترمذي " ؛ أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم ، فالله أعلم .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : إلحاد الملحدين : أن دعوا " اللات{[12430]} في أسماء الله .

وقال ابن جريج ، عن مجاهد : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : اشتقوا " اللات " من الله ، واشتقوا " العزى " من العزيز .

وقال قتادة : { يُلْحِدُونَ } يشركون . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الإلحاد : التكذيب . وأصل الإلحاد في كلام العرب : العدل عن القصد ، والميل والجور والانحراف ، ومنه اللحد في القبر ، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر .


[12418]:صحيح البخاري برقم (6410) وصحيح مسلم برقم (2677).
[12419]:صحيح البخاري برقم (7392).
[12420]:بعدها في م: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
[12421]:زيادة من أ.
[12422]:سنن الترمذي برقم (3507).
[12423]:في أ: "أخرى".
[12424]:سنن ابن ماجة برقم (3861)، وقال البوصيري: "إسناد طريق ابن ماجة ضعيف لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني".
[12425]:في ك، م، أ: "روى".
[12426]:في د: "تسعة وتسعين".
[12427]:في م: "علمته".
[12428]:في أ: "ينبغي لمن سمعها".
[12429]:المسند (1/392)، وصحيح ابن حبان برقم (2372) "موارد".
[12430]:في أ: "اللات والعزى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره ولِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى ، وهي كما قال ابن عباس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ولِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى فادْعُوهُ بِها ومن أسمائه : العزيز الجبار ، وكلّ أسماء الله حسن .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ، مِئَةً إلاّ وَاحِدا ، مَنْ أحْصَاها كُلّها دَخَلَ الجَنّةَ » .

وأما قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ فإنه يعني به المشركين . وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه ، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم ، وزادوا فيها ونقصوا منها ، فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله ، وسموا بعضها العزّى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَذَرُوا الّذينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : اشتقوا العُزّى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله يُلْحِدُونَ فقال بعضهم : يكذّبون . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ قال : الإلحاد : التكذيب .

وقال آخرون : معنى ذلك : يشركون . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يُلْحِدُونَ قال : يشركون .

وأصل الإلحاد في كلام العرب : العدول عن القصد ، والجور عنه ، والإعراض ، ثم يستعمل في كلّ معوجّ غير مستقيم ، ولذلك قيل للحد القبر لحد ، لأنه في ناحية منه وليس في وسطه ، يقال منه : ألحد فلان يُلْحِد إلحادا ، ولَحد يَلْحَدُ لَحْدا ولُحُودا . وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرّق بين الإلحاد واللحد ، فيقول في الإلحاد : إنه العدول عن القصد ، وفي اللحد إنه الركون إلى الشيء ، وكان يقرأ جميع ما في القرآن «يُلحدون » بضمّ الياء وكسر الحاء ، إلاّ التي في النحل ، فإنه كان يقرؤها : «يَلحَدون » بفتح الياء والحاء ، ويزعم أنه بمعنى الركون . وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب فيرون أن معناهما واحد ، وأنهما لغتان جاءتا في حرف واحد بمعنى واحد .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : يُلْحِدون بضمّ الياء وكسر الحاء من ألحد يُلحِد في جميع القرآن . وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة : «يَلْحَدون » بفتح الياء والحاء من لحد يلحد .

والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك . غير أني أختار القراءة بضمّ الياء على لغة من قال : «ألحد » ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما . وكان ابن زيد يقول في قوله : وَذرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ إنه منسوخ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدونَ فِي أسْمائِهِ قال : هؤلاء أهل الكفر ، وقد نسخ ، نسخه القتال .

ولا معنى لما قال ابن زيد في ذلك من أنه منسوخ ، لأن قوله : وَذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدونَ فِي أسْمائِهِ ليس بأمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك حتى يأذن له في قتالهم ، وإنما هو تهديد من الله للملحدين في أسمائه ووعيد منه لهم ، كما قال في موضع آخر : ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ . . . الاَية ، وكقوله : لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد ، ومعناه : إن تُمهل الذين يُلحدون يا محمد في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه ، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل الله الذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله .