المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

35- وما كان دعاؤهم وتضرعهم عند هذا البيت العظيم إلا صفيراً وصفقاً بالأيدي ، وإذا كانت تلك حالكم فتلقوا الموت وذوقوه في ميدان القتال ، لينزاح الشرك عن البيت ، وذلك القتل فيكم بسبب كفركم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

30

( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )

إنهم ليسوا أولياء لهذا البيت وإن كانوا يصلون عنده صلاتهم . فما هذه بصلاة ! إنما كانت صفيراً بالأفواه وتصفيقاً بالأيدي ، وهرجاً ومرجاً لا وقار فيه ، ولا استشعار لحرمة البيت ، ولا خشوع لهيبة الله .

عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ، ويصفقون ويصفرون .

وإن هذا ليخطر بالبال صور العازفين المصفقين الصاخبين الممرغين خدودهم على الأعتاب والمقامات اليوم في كثير من البلاد التي يسمونها " بلاد المسلمين " ! إنها الجاهلية تبرز في صورة من صورها الكثيرة . بعدما برزت في صورتها الواضحة الكبيرة : صورة ألوهية العبيد في الأرض ، وحاكميتهم في حياة الناس . . وإذا وقعت هذه فكل صور الجاهلية الأخرى إنما هي تبع لها ، وفرع منها !

( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) . .

وهو ذلك العذاب الذي نزل بهم في بدر بأيدي العصبة المسلمة . فأما العذاب الذي طلبوه - عذاب الاستئصال المعروف - فهو مؤجل عنهم ، رحمة من الله بهم ، وإكراماً لنبيه [ ص ] ومقامه فيهم ، عسى أن ينتهي بهم الأمر إلى التوبة والاستغفار مما هم فيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

معطوفة على جملة { وهم يصدون عن المسجد الحرام } [ الأنفال : 34 ] فمضمونها سبب ثان لاستحقاقهم العذاب ، وموقعها ، عقب جملة : { وما كانوا أولياءه } [ الأنفال : 34 ] يجعلها كالدليل المقرر لانتفاء ولايتهم للمسجد الحرام ، لأن من كان يفعل مثل هذا عند مَسجد الله لم يكن من المتقين ، فكان حقيقاً بسلب ولاية المسجد عنه ، فعطفت الجملة باعتبارها سبباً للعذاب ، ولو فصلت باعتبارها مقررة لسلب أهلية الولاية عنهم لصحَ ذلك ، ولكن كان الاعتبار الأول أرجح ؛ لأن العطف أدل عليه مع كون موقعها يفيد الاعتبار الثاني .

والمُكآء على صيغة مصادر الأصوات كالرغاء والثغاء والبُكاء والنواح ، يقال : مكَا يمْكُو إذا صَفّر بفيه ، ومنه سمي نوع من الطْير المَكّاء بفتح الميم وتشديد الكاف ، وجمعه مَكَاكِيء بهمزة في آخره بعد الياء ، وهو طائر أبيضُ يكون بالحجاز .

وعن الأصمعي قلت لمنتجع بن نبهان « ما تَمكُو » فشبك بين أصابعه ثم وضعها على فمه ونفخ .

والتصدية التصفيق مشتقاً من الصدى وهو الصوت الذي يرده الهواء محاكياً لصوت صالح في البراح من جهة مقابلة .

ولا تعرف للمشركين صلاة ، فتسمية مكائهم وتصديتهم صلاة مشاكلة تقديرية ؛ لأنهم لما صدوا المسلمين عن الصلاة وقراءة القرآن في المسجد الحرام عند البيت . كان من جملة طرائق صدهم إياهم تشغيبهم عليهم وسخريتهم بهم يحاكون قراءة المسلمين وصلاتهم بالمُكاء والتصدية ، قال مجاهد : « فَعَل ذلك نفر من بني عبد الدار يخلطون على محمد صلاته » وبنو عبد الدار هم سدنة الكعبة وأهل عمارة المسجد الحرام فلما فعلوا ذلك للاستسخار من الصلاة سمي فعلهم ذلك صلاة على طريقة المشاكلة التقديرية ، والمشاكلة ترجع إلى استعارة علاقتها المشاكلة اللفظية أو التقديرية فلم تكن للمشركين صلاة بالمكاء والتصدية ، وهذا الذي نحاه حذاق المفسرين : مجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، ويؤيد هذا قوله : { فذُوقوا العذاب بما كنتم تكفُرون } [ الأحقاف : 34 ] لأن شأن التفريع أن يكون جزاء على العمل المحكي قبله ، والمكاء والتصدية لا يعدان كفراً إلاّ إذا كانا صادرين للسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالدين ، وأما لو أريد مجرد لهو عملوه في المسجد الحرام فليس بمقتض كونَه كفراً إلاّ على تأويله بأثر من آثار الكفر كقوله تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر } [ التوبة : 37 ] .

ومن المفسرين من ذكر أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة ويمكّون ويصفقون روي عن ابن عباس كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفقون ويصغرون ، وعليه فإطلاق الصلاة على المكاء والتصدية مجاز مرسل ، قال طلحة بن عمرو : أراني سعيد بن جبير المكان الذي كانوا يمكّون فيه نحو أبي قبيس ، فإذا صح الذي قاله طلحة بن عمرو فالعندية في قوله : { عند البيت } بمعنى مطلق المقاربة وليست على حقيقة ما يفيده ( عند ) من شدة القرب .

ودل قوله : { فذوقوا العذاب } على عذاب وَاقع بهم ، إذ الأمر هنا للتوبيخ والتغليظ وذلك هو العذاب الذي حل بهم يوم بدر ، من قتل وأسر وحَرَب ( بفتح الراء ) .

{ بما كنتم تكفرون } أي بكفركم ف ( ما ) مصدرية ، و { كان } إذا جعل خبرها جملة مضارعية أفادت الاستمرار والعادة ، كقول عايشة ، « فكانوا لا يقطعون السارق في الشيء التافه » وقول سعيد بن المسيب في « الموطأ » : « كانوا يعطون النفَل من الخُمس » .

وعبر هنا ب { تكفرون } وفي سورة [ الأعراف : 39 ] ب { تكسبون } لأن العذاب المتحدث عنه هنا لأجل الكُفر . والمتحدث عنه في الأعراف لأجل الكفر والإضلال ومَا يجره الإضلال من الكبرياء الروئاسة .