الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ، يستهزءون ويصفرون ويصفقون ، فنزلت { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } .

وأخرج أبو الشيخ عن نبيط - وكان من الصحابة رضي الله عنه - في قوله { وما كان صلاتهم عند البيت . . . } الآية . قال : كانوا يطوفون بالبيت الحرام وهم يصفرون .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة تصفر وتصفق ، فأنزل الله { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قال : والمكاء الصفير ، وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق ، وأنزل فيهم ( قل من حرم زينة الله ) ( الأعراف الآية 32 ) الآية .

وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { إلا مكاء وتصدية } قال : المكاء ، صوت القنبرة . والتصدية ، صوت العصافير وهو التصفيق . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة ، كان يصلي قائما بين الحجر والركن اليماني ، فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء ، والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ ققال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول :

نقوم إلى الصلاة إذا دعينا *** وهمتك التصدي والمكاء

وقال آخر من الشعراء في التصدية :

حتى تنبهنا سحيرا *** قبل تصدية العصافير

وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عن ابن عباس رضي الله عنه قال : المكاء ، الصفير . كان أحدهما يضع يده على الأخرى ثم يصفر .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلا مكاء وتصدية } قال : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : المكاء ، إدخال أصابعهم في أفواههم . والتصدية ، الصفير يخلطون بذلك كله على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : المكاء ، الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز ، والتصدية التصفيق .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { إلا مكاء } قال : كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن { وتصدية } قال : صدهم الناس .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } فالمكاء ، مثل نفخ البوق . والتصدية ، طوافهم على الشمال .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } قال : يعني أهل بدر ، عذبهم الله بالقتل والأسر .