قوله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }
اعلم أنه تعالى لما قال في حق الكفار أنهم ما كانوا أولياء البيت ، وهو أن صلاتهم عند البيت وتقربهم وعبادتهم إنما كان بالمكاء والتصدية . قال صاحب «الكشاف » : المكاء فعال بوزن النغاء والرغاء من مكا يمكوا إذا صفر ، والمكاء الصفير . ومنه المكاء وهو طائر يألف الريف ، وجمعه المكاكي سمى بذلك لكثرة مكانه . وأما التصدية فهي التصفيق . يقال : صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه ، وفي أصلها قولان : الأول : أنها من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من جبل . الثاني : قال أبو عبيدة : أصلها تصددة ، فأبدلت الياء من الدال . ومنه قوله تعالى : { إذا قومك منه يصدون } أي يعجزون ، وأنكر بعضهم هذا الكلام ، والأزهري صحح قول أبي عبيدة . وقال : صدى أصله صدى ، فكثرت الدالات الدالة فقلبت إحداهن ياء .
إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون وقال مجاهد : كانوا يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ويستهزئون به ويصفرون ويخلطون عليه طوافه وصلاته ، وقال مقاتل : كان إذا صلى الرسول في المسجد يقومون عن يمينه ويساره بالتصفير والتصفيق ليخلطوا عليه صلاته . فعلى قول ابن عباس : كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم ، وعلى قول مجاهد ومقاتل ، كان إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم . والأول أقرب لقوله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } .
فإن قيل : المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف يجوز استثناؤهما عن الصلاة ؟
قلنا : فيه وجوه : الأول : أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة ، فخرج هذا الاستثناء على حسب معتقدهم . الثاني : أن هذا كقولك وددت الأمير فجعل جفائي صلتي . أي أقام الجفاء مقام الصلة فكذا ههنا . الثالث : الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له ، كما تقول العرب ، ما لفلان عيب إلا السخاء . يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له .
ثم قال تعالى : { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } أي عذاب السيف يوم بدر ، وقيل : يقال لهم في الآخرة : { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.