الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (35)

{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } والمكاء الصفير . يقال مكاءً تمكّوا مكا ومكوا . وقال عنترة :

وحليل غانية تركت مجدّلاً *** تمكوا فريصته كشدق الاعلم

ومنه قيل : مكت اسم الدابة مكأ إذا نفخت بالريح . ( وتصدية ) يعني التصفيق .

قال جعفر بن ربيعة : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله { إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } فجمع كفيه ثمّ نفخ فيها صفيراً .

وقال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون . و[ قال ] مجاهد : كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به فيدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون ، يخلطون عليه صلاته وطوافه .

وقال مقاتل : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه فيصفران ويصفقان ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاته . وهم بنو عبد الدار فقتلهم الله ببدر .

وقال السدي : المكاء الصفير على لحن طائر أبيض يكون بالحجاز يقال له : المكا .

قال الشاعر :

إذا غرّد المكاء في غير روضة *** قيل لأهل الشاء والحمرات

وقال سعيد بن جبير وابن إسحاق وابن زيد : التصدية صدهم عن بيت الله وعن دين الله ، والتصدية على هذا التأويل التصديد فقلبت إحدى الدالين تاءً كما يقال تظنيت من الظن .

قال الشاعر :

تقضي البازي إذا البازي كسر

يريد : تظنيت وتفضض .

وقرأ الفضل عن عاصم : وما كان صلاتهم بالنصف إلا مكاء وتصدية بالرفع محل الخبر في الصلاة كما قال القطامي :

قفي قبل التفرق يا ضباعاً *** ولا يك موقف منك الوداعا

وسمعت مَنْ يقول : كان المكاء أذانهم والتصفيق إقامتهم { فَذُوقُواْ الْعَذَابَ } يوم بدر { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .